إذا كان بلغ الكرم به غايته ، وكذلك يقال : أحسن به من فلان : إذا بلغ في الحسن غايته ونحوه ؛ فعلى ذلك قوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) هو وصف له على النهاية ؛ كما يقال : ما أعلمه ، وما أبصره ، وما أكرمه ، وما أحسنه : يعلمهم أنه يعلم ما غاب عن الخلق وما شاهدوا أبصر به من الأفعال التي يفعلون ، وأسمع به من الأقوال التي يتفوهون ، أي : يعلم ما غاب عنهم مما لم يفعلوا ولم يقولوا ، فالذي قالوه وفعلوه أحق أن يعلم ؛ يحذرهم عزوجل عن أفعالهم وأقوالهم ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً).
يحتمل : لا يشرك في ألوهيته وربوبيته أحدا.
ويحتمل : ولا يشرك في حكمه ، أي : الحكم له ليس لأحد دونه حكم ، إنما عليهم طلب حكم الله فيما يحكمون.
أو لا يشرك في تقديره وتدبيره الذي يدبر في خلقه أحدا.
ويحتمل : ولا يشرك في قسمته التي يقسم بين الخلق أحدا ، (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ) ، أي : فيما جاءت به الرسل ودعت الخلق إليه.
قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً)(٣١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ).
يحتمل : (كِتابِ رَبِّكَ) : اللوح المحفوظ ، أي : بلغ ما أوحي إليك من اللوح الذي عند الله من متلو [وغير متلو] ؛ كقوله : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة : ٦٧] وهو جميع ما أنزل إليه من المتلو وغير المتلو.
ويحتمل : (مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) : الكتاب الذي أنزل عليه ، وهو القرآن ، أي : اتل عليهم ذلك الكتاب ، فإن كان هذا ففيه أن القرآن مما يتقرب بتلاوته.