معنى واحد ؛ لأنه إنما يسعد ويشقى بعمله الذي يعمله ، وكذلك جزاء عمله ؛ ولذلك قال الحسن في تأويل قوله : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) [المؤمنون : ١٠٦] ، أي : بأعمالنا التي عملناها ، ثم يخرج تسمية العمل وما ذكروا طائرا ؛ لوجهين :
أحدهما : على وجه التفاؤل والطيرة ؛ كانوا يتفاءلون ويتطيرون بأشياء : بالطائر وغيره (١) ، ويقولون جرى له الطائر بكذا من الخير ، وجرى له بكذا من الشر ؛ على طريق الفأل والطيرة ؛ فخاطبهم على ما يستعملون ، وأخبر أن ذلك يلزم أعناقهم ، وهو ما قال الله ـ تعالى ـ : (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) [الأعراف : ١٣١] ، وكقوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) [الأعراف : ١٣١] ، وقوله ـ أيضا ـ : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ...) الآية [النمل : ٤٧] ، ونحوه.
والثاني : سمى الأعمال التي عملوها طائرا ؛ لما أن الذي يتولّد منه تلك الأعمال كالطائر ، وهو الهمة ، أو لا يخطر بباله شيء ؛ ففي الأخطار لا صنع له فيه ، ثم يهمّ ، ثم تبعث الهمّة على الإرادة ، ثم الإرادة تبعث على الطلب والعمل ، فالهمة التي في النفس التي يتولد منها الأعمال كالطائر ؛ فسماه لذلك باسمه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي عُنُقِهِ).
يحتمل أن يكون العنق كناية عن النفس ، أي : ألزمناه نفسه ، وذلك جائز ؛ يقال : هذا لك عليّ وفي عنقي.
والثاني : ذكر العنق ؛ كما يقول الرجل لآخر إذا أراد التخلص من (٢) عمل : قلّدتك هذا العمل وجعلته في عنقك ، أي : تكون أنت المأخوذ به إثما إن كان في ذلك شر ، وأنت المأجور به المثاب إن كان فيه خير.
والمعنى في قوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، أي : لا يؤخذ غيره بعمله وشقائه ؛ ولكن هو المأخوذ به ، وهو ما قال : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) [الإسراء : ١٥] ، وقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الإسراء : ١٥] ؛ هذه الآيات الثلاثة معناها واحد ، وهو ما ذكرنا ألا يؤخذ غيره بعمل آخر ، ولا تحمل نفس خطيئة أخرى ولا وزرها ، ولكن كل نفس هي تحمل خطيئة نفسها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً).
هذا يحتمل وجهين :
__________________
(١) في ب : ونحوه.
(٢) في أ : عن.