وقال أبو عوسجة : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ، أي : تطير به.
وقال القتبي (١) ، أي : تنسفه ؛ كقوله : (فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً) [طه : ١٠٥].
وعن ابن عباس قال (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً) ، أي : خير ما يثاب الناس عليه (وَخَيْرٌ أَمَلاً) ، أي : خير ما يأمل الناس عن أعمالهم يوم القيامة ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)(٤٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً).
يذكرهم ـ عزوجل ـ عن شدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه حيث سار أثبت شيء رأوا في الدنيا ، وتكسر أصلب شيء رأوا في الدنيا ، وهو الجبال ؛ لشدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه.
وقال في آية أخرى : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ. وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٤ ، ٥] ، وقال في آية أخرى : (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل : ١٤] ، وقال في آية أخرى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨] ، وقال في آية أخرى : (هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ، وأمثاله يذكرهم عن شدة أهوال ذلك اليوم وأفزاعه ؛ حيث صار أثبت شيء في الدنيا وأشده ـ على الوصف الذي ذكره ، وبدون هذه الأهوال والأفزاع التي ذكر ـ لا تقوم أنفس البشر في الدنيا ؛ فقيامها لمثل هذه الأهوال التي ذكر أحرى ألا تقوم ؛ ألا ترى أن موسى ـ عليهالسلام ـ كان أشد الناس وأقوى البشر ، ثم لم تقم نفسه ؛ لاندكاك الجبل حتى صعق إلا أن الله حكم أن لا هلاك يومئذ بعد ما أحياهم ، وإلا كانت أنفسهم لا تقوم بدون ما ذكر من الأهوال.
ثم ما ذكر من أحوال الجبال يكون ذلك في اختلاف الأحوال والأوقات : يكون في ابتداء ذلك اليوم ما ذكر أنها تسير وأنهم يرونها جامدة ، وهي ليست بجامدة ، ثم تصير كثيبا مهيلا ، ثم تصير كالعهن المنقوش في وقت ، ثم تصير هباء منثورا تكون على الأحوال التي ذكر ، على اختلاف الأحوال والأوقات ، على قدر الشدة والهول ، والله أعلم.
ثم يحتمل قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) [النمل : ٨٨] ؛ لشدة ذلك اليوم تتراءى كأنها جامدة ، وهي تمر مرّ السحاب ، وقد يتراءى في الشاهد مثله ؛
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٦٨).