أَعْصِي لَكَ أَمْراً) ، ويشبه أن يكون على وعد الصبر خاصة دون قوله : (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) ؛ لأنّ قوله : (وَلا أَعْصِي لَكَ) عهد منه ، والثنيا لا يستعمل في العهود ، وأما قوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً) إنما هو فعل أضافه إلى نفسه ، فلا بد من أن يستثني فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) ، ما تنكره نفسك وتكرهه ، (حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) أني لما ذا فعلت ما فعلت؟.
قوله تعالى : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً)(٨٢)
وقوله : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها).
هذا الكلام يخرج على وجهين :
يخرج على الإنكار عليه ، أي : خرقتها ؛ لتغرق أهلها ، أو لتعيبها ، أو لما ذا هذا الخرق؟ استفهام لو لا قوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً).
فإن كان على الأول على الإنكار عليه والردّ ـ فقوله : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) : ظاهر ، أي : جئت شيئا عظيما شديدا.
وإن كان على الاستفهام ، فهو على الإضمار ؛ كأنه قال : أخرقتها لتغرق أهلها؟! فلئن خرقتها لتغرق أهلها ، لقد جئت شيئا إمرا عظيما شديدا ؛ وإن كان التأويل على الإنكار ـ فهو كما يقال لمن يبني بناء ثم يترك الإنفاق عليه في عمارته : بنيت لتخرب أو لتهدم ، وكما يقال لمن زرع زرعا ، ثم ترك سقيه : زرعت لتفسده ، ونحوه ، وإن كان لم يبن لذلك ، ولم يزرع لما ذكر ، ولكن لما كذلك يصير في العاقبة إذا ترك سقيه أو عمارة ما