يكون موسى حيث أمر بالذهاب إلى ذلك الرجل والاتباع له والصحبة معه ؛ ليتعلم منه العلم ، فلم يستفد منه إلا علم ما أنكر عليه ، وسبب حل ذلك له ؛ إذ كان ذلك بإنكار ما أنكر عليه من الأفعال التي هي في الظاهر منكرة ، لكن جائز أن يكون استفاد منه علوما كثيرة سوى ذلك ، لكنه لم يذكر لنا ذلك ، والله أعلم.
وقول أهل التأويل : اسم الغلام الذي قتله صاحب موسى «خشنوذ» ، أو لا أدري ما ذا؟ ووالده : اسمهما كذا ، لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة أساميهم حاجة ، وكذا اسم الغلامين اليتيمين صاحبي الجدار : أصرم وصريم ، ولا أدري ما ذا؟ [و] لا حاجة بنا إلى ذلك.
وقولهم : كان صاحب موسى خضرا ، وأنه إنما سمى : خضرا ؛ لأنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت ؛ فذلك ـ أيضا ـ مما لا يعلم إلا بالخبر عن الوحي ـ وحي السماء ـ فلا نقول فيه إلا قدر ما ذكره الكتاب ؛ فإنه يخرج ذكره مخرج الشهادة على الله من غير حصول النفع لنا في ذلك عمل أو غيره ، وليس في الكتاب إلا ذكر عبد من عبادنا ، وذكر الغلام ، وذكر الفتى ، وذكر غلامين يتيمين في المدينة ، وأمثاله يقال ما فيه ولا يزاد على ذلك ؛ مخافة الشهادة على الله بالكذب ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا)(٩٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً).
في الآية دلالة أن الآية نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يسأل هو عن خبر ذي القرنين ؛ لأنه قال (وَيَسْئَلُونَكَ) ، ولم يقل : «سألوك» ، والخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني يدل على ذلك ، أيضا ؛ لأنه روى أن نفرا من أهل الكتاب جاءوا بالصحف والكتب ، فقالوا لي : استأذن