قوله تعالى : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)(١٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا).
قال بعضهم : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ، أي : لم نجعل له مثل يحيى من قبل في الفضل والمنزلة ؛ لأنه روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لم يكن من ولد آدم إلا وقد عمل بخطيئة أو همّ بها غير يحيى بن زكريا ؛ فإنه لم يهم بخطيئة ولا عمل بها» (١).
وقال بعضهم (٢) : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ، أي : لم يسم أحد قبله يحيى.
وجائز أن يكون قوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ، أي : يتولّى الله تسميته يحيى ، لم يول تسميته غيره ، وسائر الخلق تولى أهلوهم تسميتهم (٣).
وقوله : (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً).
قال الحسن : إن زكريا استوهب ربه الولد ، فأجابه وبشّره ، فقال : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ، وطلب منه الآية لذلك ، فقال : (اجْعَلْ لِي آيَةً) ، فما عابه على ذلك ، ولا وبّخه ، ولكن رحمه ، أو كلام نحو هذا.
وقال غيره : إنما أمسك لسانه واعتقله عقوبة لما سأل من الآية ، هؤلاء كلهم يجعلون ذلك منه زلة منه ، إلا أن الحسن قال : لم يعبه على ذلك ، ولا عاقبه عليه ، ولكن ذكر ذلك رحمة منه إليه ، وغيره يجعل ذلك عقوبة لما كان منه.
وجائز أن يخرج ذلك على غير ما قالوا ، وهو أن قوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي : على أيّ حال يكون مني الولد ، على الحال التي أنا عليها ، أو أرد إلى شبابي ، ففي تلك الحال
__________________
(١) أخرجه أحمد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٧٣).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٣٥٠٨ ، ٢٣٥٠٩).
(٣) ينظر : اللباب (١٣ / ٧).