المعتزلة ، حيث قالوا : إن المقتول ميت قبل أجله ، وفيه أن قوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) [البقرة : ١٥٤] إنما نهانا أن نسميهم أمواتا في جهة ليس في الجهات كلها ، حيث سمى يحيى : ميتا ، وهو كان شهيدا على ما ذكر أنه قتل.
وفي قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) استدلال لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ حيث وقف في أولاد المسلمين والمشركين ، فقال : لا علم لي بهم ، ولم يقطع فيهم القول ؛ لما يجوز أن يجعل الله لهم من المنزلة والتمييز والفهم في حال صغرهم حتى يعرفوا خالقهم ومنشئهم ، على ما أعطى يحيى وعيسى في حال صباهما وصغرهما الحكم والفهم والمعرفة.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا)(٢٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ).
قال الحسن : هو صلة قوله : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) [مريم : ٢] أي : اذكر رحمة ربك مريم.
وقال بعضهم : واذكر نبأ مريم وقصتها في الكتاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) ، أي : نحو المشرق.
ثم يحتمل قوله : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها) إذا بلغت مبلغ النساء فارقت أهلها ، وانتبذت منهم ؛ لئلا يقع بصر غير ذي الرحم المحرم عليها ، وألا يراها أحد ، ولا يصلح النظر إليها.
وقال بعضهم (١) : (مَكاناً شَرْقِيًّا) أي : جلست في المشرقة ؛ لأنه كان في الشتاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) :
قال بعضهم : احتجبت من دونهم بالغيبة عنهم.
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ١٩٠ ـ ١٩١).