وقال بعضهم (١) : أخذت من دونهم حجابا ، أي : سترا.
وقال مقاتل (٢) : اتخذت من دونهم الجبل حجابا وسترا ، أي : جعلت الجبل بينها وبين أهلها ، فلم يرها أحد منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) :
قال أبيّ بن كعب (٣) : هو روح عيسى ، أرسله الله إلى مريم في صورة بشر ، (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا).
وقال غيره من أهل التأويل (٤) : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) : جبريل ، وقد سمى الله جبريل : روحا في غير آي من القرآن : (رُوحُ الْقُدُسِ) [النحل : ١٠٢] وغيره.
(فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) أي : لم يكن به أثر غير البشر.
وقال بعضهم (٥) : (بَشَراً سَوِيًّا) لا عيب فيه ولا نقصان ، بل كان سويّا صحيحا كاملا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا).
فإن قيل : كيف تعوذت بالرحمن إن كان تقيّا ، وإنما يتعوذ بالرحمن من الفاجر والفاسق؟ قال الحسن : قوله : (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) مفصول من قوله : (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ) ، فيكون على الابتداء ، كأنها قالت : (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) لا ينالني منك سوء ولا يمسّني شر.
ويحتمل قوله : (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أي : ما كنت تقيّا ، أي : حيث دخلت عليّ من غير استئذان منك ولا استئمار ما كنت تقيّا ، ويحتمل قوله : (إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) أي : وقد كنت تقيّا ، فعلى هذا التأويل كأنه دخل عليها على صورة بشر عرفته بالتقى والصلاح ، فكأنها قالت : قد كنت عرفتك بالتقى والصلاح فكيف دخلت عليّ بلا إذن ولا أمر؟! وقد يجوز أن يستعمل (إن) مكان (ما) ومكان (قد) ، و [هو] في القرآن كثير ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا) هو على
__________________
(١) قاله ابن عباس ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٩١).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ١٩١).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٨٠).
(٤) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٣٥٨٠) وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٨٠) ، وهو قول وهب بن منبه وابن جريج وغيرهما.
(٥) انظر : تفسير البغوي (٣ / ١٩١).