وقال بعضهم : قوله : (فَقُولِي) هو على حقيقة القول ، أي : أمرت أن تقول : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ، فكأن نذرها الصوم للرحمن بعد هذا القول (١) ، وإلى هذا يذهب الحسن.
قوله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ)(٤٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) أي : بعيسى قومها تحمله : (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا).
قال أبو بكر الأصم : لقد فريت عظيما من الأمر ، لكنه يخرج تأويل فريت من التقدير ، يقال : فري ، أي : قدر.
وقال بعضهم (٢) : لقد افتريت عظيما ، وهو قذف صريح بالزنى ، كقوله : (يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) [الممتحنة : ١٢].
وقال بعضهم : (شَيْئاً فَرِيًّا) كل قائم عجب ، أو من عمل فهو فري ، وهو هاهنا عجب فري ، وهذا أقرب ؛ إذ لا يجوز أن يحمل كلامهم على تصريح القذف وثم لتعريض القذف مساغ ووجه ، والله أعلم.
وقوله : (يا أُخْتَ هارُونَ) قال بعضهم (٣) : كانت أخت هارون بن عمران أخي موسى ، وعلى ذلك روى خبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٤) ، فإن ثبت فهو هو.
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ٥١ ، ٥٢).
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٣٦٨٢) وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٨٦) وهو قول قتادة والسدي وغيرهما.
(٣) قاله السدي ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٦٩٣).
(٤) في الباب عن المغيرة بن شعبة ، أخرجه مسلم (٣ / ١٦٨٥) كتاب الآداب : باب النهي عن التكني بأبي القاسم (٩ / ٢١٣٥) والترمذي (٥ / ٢٢٠ ، ٢٢١) أبواب التفسير : باب «ومن سورة مريم» ، (٣١٥٥) وأحمد (٤ / ٢٥٢) ، وابن جرير (٢٣٦٩٢) ، وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي وابن ـ