وقال بعضهم : لا ، ولكن كان لها أخ من أبيها يقال له : هارون بن ماتان ؛ لذلك نسبوها إليه فقالوا : (يا أُخْتَ هارُونَ).
وقال بعضهم (١) : إن هارون كان رجلا صالحا ناسكا فيهم ، فشبهوها به ونسبوها إليه ؛ لصلاحها ونسكها.
وقال بعضهم : إن بني إسرائيل تسمّي كل صالح : هارون ؛ حبّا لهارون ؛ لذلك سموها ونسبوها إلى هارون ، لنسكها وصلاحها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) أي : ما كان أبوك ما ذكر ولا أمّك ولا أنت ، فمن أين كان لك هذا؟! هذا تعريض من الكلام : ليس بتصريح ، فهو ما ذكرنا : أنهم قالوا ذلك على التعجب وليس على تصريح الفرية والقذف لها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ).
أي : آتاني علم الكتاب ، ولا نفسّر أىّ كتاب هو : الإنجيل أو التوراة أو غيره؟ لأنه قال في آية أخرى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [آل عمران : ٤٨] فذكر الكتاب وذكر معه التوراة والإنجيل ؛ فهذا يدلّ أن الكتاب غير التوراة والإنجيل.
وقوله : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ).
هذا يدل أنّه قد تكلم بعد هذه الكلمات ، وليس كما قال أهل التأويل : إنه تكلم بهؤلاء ، ثم لم يتكلم بعد ذلك إلى أن بلغ المبلغ الذي يتكلم الصبيان ؛ لأنه أخبر أنه جعله نبيّا وجعله مباركا ، فلا يحتمل أن يكون نبيّا ولا يتكلم ولا يدعو الناس إلى دين الله ، وأيّ بركة تكون فيه إذا لم يتكلم بكلام خير ؛ فدل ذلك منه أن ليس على ما قالوا هم ، والبركة هي اسم كل خير وصلاح ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا).
يحتمل : الصلاة المعروفة والزكاة المعهودة.
ويحتمل : الصلاة : الثناء له والدعاء في كل وقت وفي كل مكان ، والزكاة : كل ما تزكو به النفس وتصلح وتنمو من كل خير.
فإن كان الأوّل الصّلاة المفروضة والزكاة المعروفة ، فهو على تعليم الناس ، كأنه قال :
__________________
ـ المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٨٦) من طريق علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون : (يا أُخْتَ هارُونَ) ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ، فلما قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم سألته عن ذلك ، فقال : «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم».
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٦٨٧).