أوصاني أن أعلم الناس وأعلمهم من الزكاة ؛ إذ لم يكن يملك عيسى ما تجب فيه الزكاة ، فهو يخرج على إعلام الناس عن حكم الزكاة ، أو أن يكون على المواساة ، فذلك مما قل وكثر سواء.
وإن كان الثاني فهو وغيره من الناس في تلك الزكاة سواء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي : جعلني برّا بوالدتي ، صلة بقوله : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) و (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً) ، وجعلنى برّا بوالدتى.
(وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) ، قد ذكرناه في قصة يحيى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
هذا ـ أيضا ـ قد ذكرناه في قصة يحيى ، غير أن الله تعالى هو مسلّم على يحيى في تلك الأحوال ، وهاهنا ذكر أن عيسى سلم على نفسه.
وذكر في بعض القصّة : أن عيسى ويحيى ـ عليهماالسلام ـ التقيا ، فقال يحيى لعيسى : «أنت خير مني». فقال عيسى : «بل أنت خير مني ، سلّم الله عليك ، وسلمت أنا على نفسي» ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي : ذلك عيسى بن مريم ، ليس على ما قالت النصارى وغيرهم أنه ابن الله ، وأنه ثالث ثلاثة على ما قالوا ، ولكن عيسى بن مريم عبد الله كما أقر هو بالعبودية حيث قال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ).
ويحتمل قوله : (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي : ذلك الذي أنبأتهم من نبأ عيسى : (قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي : هؤلاء الكفرة حيث أنكروا أنه ليس على ما أنبأتهم من نبئه ، أي : الذي يشكون فيه هو قول الحق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ).
نزّه نفسه عن أن يتخذ ولدا ؛ لأنه لا تقع [له] الأسباب التي لها يتخذ الولد ويطلب منه.
أو يقول : إن اتخاذ الولد يسقط الألوهية ؛ لأن الولد في الشاهد يكون شكل الأب وشبيها له ، فلا يحتمل أن تكون الألوهية لمن يشبه الخلق ؛ لأن الولد في الشاهد إنما يتخذ ويطلب لأحد وجوه ثلاثة :
إمّا لوحشة تأخذه فيستأنس به.
وإمّا لحاجة تمسّه فيستغنى به في دفعها.
أو لخوف يخاف من أعدائه فيستنصر به ، فإذا كان الله سبحانه يتعالى عن ذلك وله من سرعة نفاذ أمره ما ذكر في قوله : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] ،