عن جميع الأشغال وسلمها إليه فسمّي لذلك مناجيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) ، هو ما ذكرنا فيما تقدم.
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٥٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ).
على قول الحسن هو صلة قوله : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) [مريم : ٢] أي : اذكر لهم رحمة ربك إسماعيل.
وعلى قول غيره من أهل التأويل على الابتداء ، أي : اذكر لهم نبأ إسماعيل وقصته في الكتاب على الاحتجاج له عليهم ؛ لأن هذه الأنباء والقصص كانت في كتبهم ، فأخبر رسوله عن تلك الأنباء والقصص على ما كانت ؛ ليخبرهم ؛ فيعلموا أنه إنما عرفها بالله ؛ ليدلهم ذلك على النبوة ورسالته.
ثم اختلف في إسماعيل : قال عامة أهل التأويل (١) : هو إسماعيل بن إبراهيم ، صلوات الله عليهما.
وقال بعضهم : هو الذي قالوا : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٦] ، ولكن لا نعلم ذلك إلا بالخبر عن الله ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) :
قال عامة أهل التأويل (٢) : سماه : (صادِقَ الْوَعْدِ) ؛ لأنه وعد رجلا أن يقيم عليه وأن ينتظره حتى يرجع إليه ، فأقام مكانه أياما ينتظره للميعاد حتى رجع إليه.
لكن لا يحتمل أن يكون مثل إسماعيل يعد عدة ولا يستثنى ، وقد نهى الله رسوله أن يقول : إني فاعل كذا غدا حتى يستثني ، وهو قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤] ، ويكون قوله : (صادِقَ الْوَعْدِ) ، أي : صدّيقا ، والصّديق هو القائم بوفاء كل حق ظهر له ؛ لأن كل مؤمن يعتقد في أصل إيمانه طاعة ربه في كل أمر يأمر به والانتهاء عن كل نهى ينهاه ، ووفاء كل حق عليه ، فسماه : صادق الوعد ؛ لقيامه
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ٣٥١) ، والبغوي (٣ / ١٩٩).
(٢) قاله سهل بن عقيل ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٧٦٧) ، وهو قول مقاتل والكلبي.