وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا).
هذا يخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : ما قال بعض أهل التأويل : إن جبريل قد كان احتبس عنه زمانا ، فقال أهل مكة : قد ودعه ربّه وقلاه ؛ فنزل : (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى. ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(١) [الضحى : ١ ـ ٣] على ما قال المشركون ، فيخرج على هذا قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) على الترك ، أي : ما كان ربك تركك لما قال أولئك من التوديع والقلى.
ويحتمل : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) كملوك الأرض يطلب خدمهم وخولهم وقت سهوهم وحالة غفلتهم ، فيقضون حوائجهم وحوائج من يطلب منهم القيام بها ، أي : ما كان ربك بالذي يسهو ويغفل كملوك الأرض.
والثالث : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) بتأخير نزوله عن وقت النزول ، بل أنزل عليك في الوقت الذي هو وقت النزول.
فهذان الوجهان يخرجان على السهو والغفلة ، والأول على الترك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ).
أي : اصبر نفسك عليها وعلى طاعته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، أي : ما تعلم له شريكا تشتغل بعبادته عن عبادة الله ، إنما هو إله واحد ، لا راحة لك عن عبادته ولا ما يشغلك عنه.
وقال بعض أهل التأويل (٢) : هل تعلم أحدا اسمه : (الله) سواه؟!
وقال بعضهم (٣) : هل تعلم له مثلا وشبيها؟!
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا)(٧٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا).
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٢).
(٢) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٢٠٣) وقاله ابن عباس بنحوه.
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٨٢١ ، ٢٣٨٢٢) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٣) وهو قول مجاهد وقتادة وابن جريج.