قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٨٧)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً).
قال بعضهم (١) : هذا القول قاله العاص بن وائل السهمي لما حاجه أهل الإيمان في أمر الآخرة أنها لهم دون الكفرة ، فقال لهم عند ذلك : (لَأُوتَيَنَّ مالاً) في الآخرة إن كان ما تقولون أنتم حقّا ، إنما نبعث ونحيا كما أوتيت في هذه الدنيا.
وقال الحسن : قائل هذا القول هو الوليد بن المغيرة وهو ما قال تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا) [المدثر : ١١ ـ ١٦] وكان يطمع أن أزيد له في الدنيا أبدا ، فقال : (كَلَّا) ردّا على ذلك ، وقال هاهنا : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) أنه يكون له في الآخرة ذلك على التأويل الأوّل ، أو في الدنيا في وقت آخر ؛ ذلك على تأويل الحسن ، (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً. كَلَّا) ردّا على ما ادعوا (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) أي : سنحفظ.
(وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) :
قال بعضهم : قوله : (وَنَمُدُّ لَهُ) أي : نزيد له من العذاب في كل يوم ، كقوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) [النبأ : ٣٠] وقال بعضهم : (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) ، أي : نعذب بلا انقطاع له ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) : قال بعضهم (٢) : أي : نرثه المال والولد الذي
__________________
(١) ورد في معناه حديث عن خباب بن الأرت ، أخرجه البخاري (٩ / ٣٥٥) كتاب التفسير : باب قوله : (أفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ ...) الآية (٤٧٣٢) ، ومسلم (٤ / ٢١٥٣) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (٣٥ / ٢٧٩٥) ، والترمذي (٥ / ٢٢٥) أبواب التفسير : باب «ومن سورة مريم» (٣١٦٢) ، وأحمد (٥ / ١١٠ ، ١١١) وابن جرير (٢٣٨٩٩) من طريق مسروق عنه قال : جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقا لي عنده ، فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقلت : لا حتى تموت ، ثم تبعث ، قال : وإني لميت ثم مبعوث؟! قلت : نعم قال : إن لي هناك مالا وولدا ؛ فأقضيكه. فنزلت هذه الآية : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) ، والحديث يروى عن ابن عباس والحسن مرسلا كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٥ ، ٥٠٦).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩١١) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٠٦) ، وهو قول مجاهد وقتادة.