(كِراماً كاتِبِينَ) [الانفطار : ١١] قال أبو عوسجة : الضدّ : الخصم ، والإدّ السوق الشديد ، وقوله : (شَيْئاً إِدًّا) ، أي : شديدا ، والورد ، أي : يوردهم إياها ، أي : يدخلهم ، وقال : الورد : النصيب من الماء ، وقوله : (هَدًّا) أي : صوتا يهدّ ، أي : يهدم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) (٩٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا).
يحتمل هذا وجوها ثلاثة :
أحدها : خاطب أهل مكة : إذا أمنتم وعملتم الأعمال الصالحات يرفع الله ما بينكم من التباغض والتعادى ، فيبدل مكانه المحبة والمودة ، كقوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣] أخبر أنهم صاروا بالإيمان إخوانا مؤلفة قلوبهم بنعمة من الله وفضله.
والثاني : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) في الجنة ، أي : ينزع عنهم ما في قلوبهم من غلّ وغشّ ، كقوله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الأعراف : ٤٣].
والثالث : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) في قلوب الأنبياء والأخيار وأصحاب الدّين ؛ لأنهم إنما ينظرون إلى الإنسان لدينه ولخلوصه عمله لله وصفائه له لا إلى الدنيا وما تحويه يده.
وجائز أن يكون على ما رويت الأخبار إن ثبتت : روى عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا أحبّ الله عبدا نادى قد أحببت فلانا فأحبّوه» (١) وكذلك هذا في البغض.
وقال كعب (٢) : وجدت في التوراة : أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض حتى يكون بدؤها من الله تعالى ينزلها على أهل السماء ، ثم على أهل الأرض ، وكذلك قال في البغض ، ثم قال : وكذلك وجدت في القرآن ، فقرأ هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٢ / ٧٨ ـ ٧٩) كتاب الأدب : باب المقة من الله تعالى (٦٠٤٠) ، ومسلم (٤ / ٢٠٣٠) كتاب البر والصلة والآداب : باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده (١٥٧ / ٢٦٣٧) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل ، فقال : إني أحب فلانا فأحبه قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، قال : ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانا فأبغضه قال : فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه ؛ قال : فيبغضونه ، ثم توضع له البغضاء في الأرض.
(٢) أخرجه عبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥١٢).