سورة طه
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٨)
قوله ـ عزوجل ـ : (طه) :
قال بعضهم من أهل التأويل (١) : قوله : (طه) : يا رجل بالنبطية ، وقال بعضهم (٢) : بالسريانية ، وقيل : يا فلان ، وقيل (٣) : هو اسم من أسماء الله ، وقيل (٤) : حروف من أسمائه ونحو ذلك ، وقد ذكرنا القول في الحروف المقطعة فيما تقدم في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) : لا يحتمل أن يكون هذا نزل على الابتداء من غير سبب ولا أمر ، لكنه لم يبيّن السّبب [الذى] به نزل هذا ، فيحتمل أن يكون سببه وجوها :
أحدها : ما حمل نفسه من الشدائد والمؤن العظام ، وأجهد نفسه في ذلك ؛ فنزل : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) ، أي : لتتعب به نفسك ، كقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [طه : ١١٧] أي : تتعب ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) [طه : ١١٨].
والثاني : أنه لما كف نفسه عن الشهوات ومنعها عن جميع ما تهواه من اللذات ، فقال أولئك الكفرة : إنه شقى ؛ حيث رأوه لم يعط نفسه شيئا من شهواتها ولذاتها.
والثالث : أنهم قالوا ذلك لما رأوه أنه دعا الفراعنة والجبابرة إلى دينه واتباعه ، وأظهر لهم الخلاف ، واستقبلهم بما يكرهون ، وكانت عادتهم القتل وإهلاك من يظهر لهم الخلاف ، فخاطر بذلك ، فعند ذلك قالوا : إنّه شقىّ ؛ حيث يخاطر بنفسه ، فقال : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) على ما يقول أولئك ، بل أنزله عليك ؛ لتسعد حيث أخبر أنه عصمه بقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧]. أو ألا يفسر ولا يذكر ذلك الأمر
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩٨٦ ، ٢٣٩٨٧) ، وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥١٧) ، وهو قول عكرمة والضحاك.
(٢) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩٨٨).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٩٩٦) وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥١٧).
(٤) قاله سعيد بن جبير ، كما في تفسير البغوي (٣ / ٢١١) ، وهو قول محمد بن كعب أيضا.