إنّما يذكر في الصّلاة ؛ لأن الصلاة من أولها إلى آخرها ذكر لله ؛ ولذلك سمى الصلاة : مناجاة الربّ ، أو أن يكون قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ، أي : لتذكرني بها يا موسى.
وقال قائلون : (أَقِمِ الصَّلاةَ) إذا أنت نسيت إذا ذكرتها (١) ، وعلى هذا رويت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال ذلك ، وقرأ هذه الآية (٢) إن ثبتت.
وجائز أن يكون قوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي : أقم الصّلاة لتستوجب بها ذكرى. وقال القتبي (٣) : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي : لتذكرني فيها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) :
قال الحسن : (أَكادُ) صلة ، كأنّه قال : إن السّاعة آتية أخفيها ، وفي حرف أبيّ بن كعب : إن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي (٤) ، ثم يحتمل قوله : من نفسي وجهين :
أحدهما : أخفيها من خلقي ، ولا يجب أن يفهم من نفسه : ذاته بالإضافة إليه ، كما لم يفهم من قوله : (روحى) و (روحنا) ، وهو أخفى من الناس : ذاته ، ولكن فهم منه : خلقه ؛ فعلى ذلك لا يفهم من قوله : من نفسي ذاته ، هذا يحتمل ، والله أعلم.
والثاني : أن يكون قوله : أكاد أخفيها من نفسي ، أي : من أخيار عبادي ، أي : أخفيها من أخيار عبادي مع عظيم قدرهم ومنزلتهم عندي من نحو الملائكة والأنبياء والرسل ؛ فإن عادة ملوك الأرض : أنهم لا يكتمون سرائرهم من خواصهم ، بل يطلعونهم على ذلك ، فأخبر ـ عزوجل ـ والله أعلم ـ أنه أخفاها من خواص عباده وأخيارهم ،
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٣ / ١٩٥ ، ١٩٦).
(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٢٦٩) ، والبخاري (٢ / ٧٠) كتاب : مواقيت الصلاة ، باب : من نسي صلاة ، الحديث (٥٩٧) ، ومسلم (١ / ٤٧٧) كتاب : المساجد ، باب : قضاء الصلاة الفائتة ، الحديث (٣١٤ / ٦٨٤) ، والترمذي (١ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦) كتاب : الصلاة ، باب : ما جاء في الرجل ينسى ، الحديث (١٧٨) ، وابن ماجه (١ / ٢٢٧) كتاب : الصلاة ، باب : من نام عن الصلاة أو نسيها ، حديث (٦٩٦) ، والنسائي (١ / ٢٩٣) كتاب : المواقيت ، باب : فيمن نسي صلاة (٦١٣) ، وأبو داود (١ / ١٧٤) كتاب : الصلاة ، باب : من نام عن صلاة أو نسيها (٤٤٢) ، وأبو عوانة (١ / ٣٨٥) ، والدارمي (١ / ٢٨٠) ، وابن خزيمة (٢ / ٩٧) رقم (٩٩٣) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (١ / ٤٦٥) ، وفي المشكل (١ / ١٨٧) ، والبيهقي (٢ / ٢١٨) ، وابن عبد البر في التمهيد (٦ / ٢٧٠) ، من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك».
وأخرجه مسلم (١ / ٤٧٧) كتاب : المساجد ، باب : قضاء الصلاة الفائتة (٣١٦) ، وأحمد (٣ / ٣٦٩) ، وأبو نعيم (٩ / ٥٢) ، بلفظ : «إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى يقول : أقم الصلاة لذكري».
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٧).
(٤) أخرج هذه القراءة ابن الأنباري عن الفراء عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٦).