وفي الآية دلالة أن لا قصاص يجب في شبه العمد وإن كان الضرب بشيء لا نجاة فيه ؛ لأن موسى ـ صلوات الله عليه ـ كانت له قوة أربعين نفرا على ما ذكر ، فإنما لطمه لطمة ، فقضى عليه ، ثم قال : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [القصص : ١٥] هذا يدل أنه كان لا يحل له قتله ، ثم قال : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سمّاهم : ظلمة ، فلو كان يحل القتل ويجب القصاص ، لكان لا يسميهم ظلمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) قال بعضهم (١) : (فُتُوناً) : هو جمع فتنة ، أي : فتناك فتونا.
[وقال بعضهم : (فُتُوناً) :] هو مصدر الفتنة ، أي : ابتليناك ابتلاء ، أي : بلاء ، والفتنة في البلايا والشدائد : الغموم الّتى ذكر أنه نجاه منها.
ويحتمل : النعم والخيرات ؛ إذ لم يكن الأنبياء في جميع الأوقات في البلاء ، ولكن كانوا في وقت في بلاء وشدة ، وفي وقت آخر في نعمة وخير.
أو فتنه بهما جميعا ، على ما أخبر : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ).
هذا ـ والله أعلم ـ من المنة التي ذكر ، حيث قال : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) [طه : ٣٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى).
قال بعضهم (٢) : بالنبوة والرّسالة.
وقال بعضهم (٣) : على موعود ، أو على قدر وقت المجيء ، فكيفما كان ففيه أن مجيء العبد وذهابه وجميع سعيه يكون بقدر من الله ، وتقدير منه ، وفيه أنه يجعل الأمور بأسباب ، وإن كان يجعل [بعضها] بغير أسباب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) ، أي : اخترتك ، واصطفيتك لرسالتي ونبوّتي ، فذكر نفسه ؛ لأنه بأمره يقوم بأداء ذلك.
قوله تعالى : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤١٣٠) وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٢٩).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٤١٤١).
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٤١٣٩ ، ٢٤١٤٠) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٦).