المحفوظ ، (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) قال : هما واحد : لا يضل ولا ينسى ذلك الكتاب ، وقرئ : (يَضِلُ) ولا يضلّ من ختم بالهدى ، و (لا يَضِلُ) أي : لا يضلّ ذلك الكتاب الذي ذكر ، ليس أنه يرجع إلى قوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي).
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) هو على قوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي : فراشا ، والذي (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يذكر نعمه التي أنعمها عليهم ؛ يقول : جعل لكم الأرض بحيث تفترشون ، وتعيشون فيها ، وتقرون عليها بعد ما كانت تميد بكم ، (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) أي : طرقا تسلكون فيها ، وتختلفون إلى البلدان النائية في حوائجكم وما به معاشكم وقوامكم ما لو لا ذلك ما قام معاشكم ، ولا قضيت حوائجكم (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي : الماء (أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) : ما به معاشكم وقوامكم وقوام أنعامكم ، على اختلاف ما جعل لكل دابة من ذلك قوتا وغذاء ، ولم يجعل ذلك لغيرها ؛ لأن من الدواب ما يأكل النبات ، ومنها ما يأكل الحب ، ومنها ما يأكل اللحم ، ونحوه.
(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) ، أي : كلوا أنتم وارعوا أنعامكم فيما به قوامها.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) :
قال بعضهم (١) : (لِأُولِي النُّهى) أي : لأولي العقول.
وقال الحسن (٢) : إن في ذلك لآيات للذين يتناهون عما نهوا عنه.
وقال بعضهم (٣) : لآيات لأولي الورع ، وأولي النهى : هم أهل العقول ؛ لأنه بالعقل ينهى ، وبه ينتهي ، وبه يؤمر ويؤتمر ، فذلك آيات لهم ، وكذلك قال القتبي : لأولى النهي : أولي العقول ، وقال : النهية : العقل.
وقال بعضهم : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ، أي : ما حالها؟ يقال : أصلح الله بالك ، أي : حالك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ).
يحتمل قوله : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) وجوها :
أحدها : منها خلقنا أصلكم ، وهو خلق آدم ، لكنه أضاف خلقنا إليها وإن لم نخلق منها كما أضاف الإنسان إلى النطفة وإن لم يكن الإنسان منها ، لكنه أضاف إليها ؛ لأنها أصل
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٩).
(٢) وهو قول سفيان أيضا أخرجه ابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٩).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٥٣٩).