وجائز أن يكون قوله : (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) ما أخذ من قبضته من أثر الرسول ؛ كقوله : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها) [طه : ٩٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).
أي : عجلا جسده جسد عجل ، وليس هو بعجل في الحقيقة.
وقال بعضهم : عجلا جسدا لا يتعيش كما يتعيش العجل المولود من البقر ، والأول أشبه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ).
هذا القول إنما قاله السامري.
وقوله : (فَنَسِيَ) قال بعضهم : نسى السامري حيث قال لهم : هذا إلهكم فنسى هذا القول ، فيكون النسيان على هذا التأويل التضييع والترك ؛ كأنه قال : ضيع السامري بعد ما علم وعرف رب العالمين ونسب الألوهية إلى العجل.
وقال بعضهم (١) : إن السامري لما قال : هذا إلهكم وإله موسى ، لكن موسى نسى هذا حيث خرج في طلب غيره ، ولا يحتمل أن يقبلوا هذا القول منه ، ويجعلوا العجل الذي اتخذه السامري إلها ، وقد علموا أنه إنما اتخذه من حلى حملوه من القبط ، لكنه كان في عقدهم أنه يجوز اتخاذ إله دون إله رب العالمين والعبادة له ؛ رجاء أن تقرب عبادتهم تلك الآلهة إلى الله ، وعلى هذا كانوا يعبدون الأصنام دون الله ؛ كقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، وكذلك قالوا : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ، وكذلك ما اتخذ لهم فرعون من آلهة عبدوها دونه ، وإلا لم يحتمل أن يقع عندهم أن رب العالمين هو ذلك العجل ، لكنه ما ذكرنا أنهم كانوا يستجيزون في اعتقادهم عبادة من دونه ، فقال عند ذلك ورد عليهم اعتقادهم فقال : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ، أي : ألا يرون أن لا إذن في عبادة من يرجع إليه القول ويملك النفع والضر وهو البشر ، فكيف أذن في عبادة من لا يملك شيئا من ذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (٨ / ٤٤٧) والبغوي (٣ / ٢٢٨).