بعضهم (١) من الركوع والسجود وغيره ، وهو في المؤمنين خاصة ليس أن يكون تأويل قوله : (وَعَنَتِ) أي : عملت حقيقة ، ولكن من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان التأويل في الآخرة فهو في الفريقين جميعا يذلون له جميعا ويخضعون في الآخرة ، وإن كان من بعضهم التكبر في الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
فيه دلالة أنه قد يستحق اسم الإيمان بدون الأعمال الصالحات ؛ حيث قال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
وفيه أن الإيمان شرط في قبول الطاعات وجعلها طاعة لله ؛ حيث شرط الإيمان فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً).
الظلم هاهنا على مذهبنا : النقصان ، لا ظلم الجور ؛ لأن الثواب على الأعمال بحق الإفضال لا بحق العدل ، فإذا كان على هذا فيخرج قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ) أن ينقص من حسناته شيئا أو يزيد في سيئاته شيئا ، ويجوز في اللغة ذكر الظلم على إرادة النقصان ؛ كقوله في ذكر الجنتين : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، والجنة لا توصف بالظلم الذي هو ظلم جور ؛ فدل أنه أراد بالظلم هاهنا النقصان ، أي : لم تنقص ، بل أتت بثمارها وافية وافرة.
وإن كان على الظلم الذي هو ظلم الجور فهو على النهي ، أي : لا تخف منه الظلم والجور.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١١٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا).
أي : كما ذكرنا : أن من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ، كذلك أنزلناه في القرآن العربى.
(وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
حرف (لعل) في جميع ما ذكر في القرآن يحتمل وجهين :
أحدهما : على الوعد أنهم يتقون فهو على الإيجاب.
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٢) وهو قول طلق ابن حبيب.