والثاني : لعلهم يتقون ، أي : ألزمهم أن يتقوا بما صرف من الوعيد.
وإن كان على الوعد والإيجاب منه فهو لمن علم أنهم يتقون.
وإن كان على الإلزام ـ أي : ألزمهم ـ فهو في الكل.
ثم إن كان على الوعد فيخرج قوله : (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) ، فيكون كقوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤] إذا تذكر خشى ، وإذا خشى تذكر ؛ فعلى ذلك إذا اتقى فقد أحدث له الذكر ، وإذا أحدث له الذكر اتقى ، وإن كان ألزمهم أن يتقوا فهو على أو ثم.
ثم قال بعضهم : (ذِكْراً) ، أي : عذابا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ).
مثل هذا إنما يذكر على نوازل كانت إما قولا أو فعلا ، يقال : فتعالى الله عن ذلك ، لكن لم يذكر النوازل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
يحتمل ما قاله أهل التأويل (١) أن جبريل كان إذا أتاه بالسورة وبالآى فيتلوها عليه ، فلا يفرغ جبريل من التلاوة حتى يتكلم رسول الله بأولها ؛ مخافة أن ينساها ؛ فأنزل الله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) فتقرأه من قبل أن يفرغ من تلاوته عليك ، وقد أمنه عن النسيان بقوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ...) الآية [الأعلى : ٦] ، وكذلك : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الآية [القيامة : ١٦] ، ثم أمره عزوجل أن يسأله أن يزيد له علما.
ويحتمل أن يكون قوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).
أي : لا تعجل بما ذكر من الوعيد لهم في القرآن من قبل أن يأتى وقته ؛ كقوله : (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) [مريم : ٨٤].
وقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) جائز ما قال أهل التأويل : إنه كان يتلو مع تلاوة جبريل ، فقال له : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ، إن ثبت عنه أنه كان يتلو مع تلاوة جبريل.
وجائز النهى من غير أن كان منه ما ذكر ـ والله أعلم ـ على ما نهى عن أشياء من غير أن كان منه ذلك.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ
__________________
(١) قاله السدي بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٥٢) ، ويأتي تفسير ذلك في سورة «القيامة».