سورة الأنبياء وهي كلها مكية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٠)
قوله ـ عزوجل ـ : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ).
قال الحسن : أي : محاسبتهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ).
ظاهر هذا أنه نزل في المشركين ؛ لأنها نزلت بمكة وكان أكثر أهلها أهل شرك ، لكن لأهل الإسلام في ذلك حظ وشرك فيما وصفهم بالغفلة عن ذلك والإعراض عنه ، وأهل الإسلام قد يغفلون عن الحساب إلا أن غفلة الكفرة غفلة تكذيب وإعراضهم إعراض تكذيب بالحساب والآيات التي أنزلها عليهم ، وغفلة أهل الإسلام ليست كذا ، قد آمنوا بالحساب وصدقوا بآياته وعرفوها ، لكنهم غفلوا عن الحساب ؛ لشهوات مكنت فيهم وغلبت شهواتهم وأغفلتهم عنه ، فمن هذه الجهة [كانوا] كأولئك ، فأما من جهة الإيمان به والتصديق بالآيات فليسوا كأولئك.
ثم وصف الحساب والساعة بالقرب والدنو والإتيان ؛ كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ، وقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، و (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) وأمثاله : هي قريبة كالماهية عند الله ؛ لأن الله تعالى عرف جملة الأوقات فهي في جملة ما عرف قريبة كالماهية ، وأما الخلق فإنهم قد استبعدوها ؛ لأنهم إنما يقدرون ذلك بآجالهم وأعمارهم وما جاوز أعمارهم ، فهو عندهم بعيد ليس بقريب ، وهذا إنما يكون بعد ذهاب أعمارهم.
وقال قتادة : ذكر أنه لما نزلت هذه الآية (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) ، و (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] قال ناس من أهل الضلال : يزعم هذا الرجل أن الساعة قد اقتربت