الآيات والحجج ، وهو إهلاكهم واستئصالهم ؛ إذ من سنته وحكمه في الأولين الإهلاك والاستئصال عند مكابرتهم الآيات والحجج ، وسنته وحكمه في هذه الآية ختم النبوة بهم وإبقاء شريعة محمد ـ صلوات الله عليه ـ إلى الساعة ، وسنته في الأمم الماضية نسخ شرائعهم واستبدال أحكامهم ، فإذا كان ما ذكرنا جعل وقت إهلاكهم الساعة ، وهو ما قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ...) الآية [القمر : ٤٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها).
أي : ما آمنت قبلهم من قرية سألوا الآية سؤال مكابرة وعناد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ).
أي : لا يؤمن هؤلاء وإن أتاهم بآية فإنهم لا يؤمنون ، كما لم يؤمن أولئك المتقدمون ؛ لأنهم يسألون سؤال عناد ومكابرة لا سؤال استرشاد واستهداء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ).
كأن هذا خرج جوابا لقولهم : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ ...) كذا ، وجواب قولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، وجواب قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] ، فقال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) ، أي : بشرا ، (نُوحِي إِلَيْهِمْ) إلى عامة الخلق ، أي : الرسالة في الأمم الذين من قبله إلى عامة الخلق كانت في البشر لم تكن في الملائكة ، وإلا كانت الرسالة إلى الخواص في الملائكة وهم الرسل ، فعلى ذلك لا تجعل الرسالة في هذه الأمة إلى عامة الخلق في الملائكة ، ولكن تجعل في البشر على ما جعلت في الأمم الأولى في البشر.
وجائز أن يكون قوله : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ، أي : جعلها في الذكور منهم لم يجعلها في النساء والإناث ؛ لما لم يستكملن شرائط الرسالة والنبوة ، فكأن الأول في بيان الجنس ، أي : لم يجعل الرسالة إلى عامة الخلق في الملائكة ، ولكن جعلها في البشر ، والثانى في بيان استكمال شرائط الرسالة واستحقاقها.
وفي حرف ابن مسعود وأبي : ما أرسلنا قبله إلا رجالا نوحي إليهم ، فعلى حرفهما كأنه خاطب به أولئك الكفرة ، أي : ما أرسلنا قبل محمد إلا رجالا نوحى إليهم ، وفي القراءة الظاهرة المشهورة يكون الخطاب لرسول الله ، أي : قل لهم : إنه ما أرسل الله من قبلك إلا رجالا يوحي إليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).