يأكلون الطعام ولا يبيدون ، بل جعلهم أجسادا يأكلون ويموتون بقوله : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ).
أخبر أنه وعد الرسل وعدا ، لكنه لم يبين ما كان ذلك الوعد الذي وعد رسله؟ لكن في آخره بيان أن الوعد الذي وعدهم كان وعد إهلاك وتعذيب ؛ لأنه قال : (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) ، دل قوله : (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) : أن الوعد كان وعد إهلاك ، فنقول : كان وعد ـ عزوجل ـ الرسل الذين من قبل إهلاك من كذبهم ، فكان كما وعدوا ، وإن تأخر ذلك الموعود عن وقت الوعد ؛ فعلى ذلك ما وعدكم محمد من العذاب فإنه نازل بكم وإن تأخر نزوله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ).
يحتمل قوله : (ذِكْرُكُمْ) ما يذكركم ما تأتون وتتقون ، أو يذكركم ما لكم وما عليكم.
وقال بعضهم (١) : (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ، أي : شرفكم ونبلكم لو اتبعتم.
وقال الحسن (٢) في قوله : (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أي : فيه دينكم الذي أمسك عليكم به.
وقال غيره : فيه شرفكم ونبلكم لو اتبعتموه ؛ كقوله : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] ، أي : شرف لك.
قوله تعالى : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(١٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً).
قصمنا : أهلكنا ، وأصل القصم : الكسر ، يخوف أهل مكة بتكذيبهم محمدا ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ).
قوله : (أَحَسُّوا) قال بعضهم : علموا بالعذاب ، إذا هم يركضون ، أي : يفرون ويهربون.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦٣).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦٤).