هذا كأنه مقطوع عما سبق وتقدم ذكره غير موصول به ؛ لأن ما سبق هو القول منهم : إنه اتخذ الرحمن ولدا ، فلو كان على اتصاله بالأول ، لكان يقول : ومن يقل منهم : إني ولد إله ؛ لأنهم قالوا : (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) ، ولم يقولوا : إنه اتخذ الرحمن إلها ، فلو كان على الصلة بالأول والجواب له ، فهو يخرج على الجواب لهم ، ومن يقل منهم : إني ولد إله ، لكن كأنهم كانوا فرقا : منهم من قال : اتخذ ولدا ، ومنهم من عبد دونه الملائكة واتخذهم آلهة ، فخرج هذا جوابا لذلك فقال : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ...) الآية ، فإن قيل لنا في قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) [الأنبياء : ٩٨] ، وقد عبد عيسى من دونه ، وعبد الملائكة دونه ؛ فيكون حصب جهنم على ظاهر ما ذكر ، قلنا : تأويل قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) أي : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بأمر الذين عبدوا وقالوا لهم : اعبدوني (حَصَبُ جَهَنَّمَ) ، دليله ما ذكر في الآية : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) أي : المشركين (الظَّالِمِينَ) هاهنا : المشركين الكافرين.
ثم قال الحسن في قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) : لا يحتمل أن يكونوا يقولون ذلك ؛ لما وصفهم بالطاعة له وترك الخلاف لأمره ، لكنه ذكر هذا ؛ ليعلم الخلق أن من قال ذلك وإن عظم قدره عنده ، وجلت منزلته أنه يجزيه بما ذكر أنه يستوجب لذلك.
ولكن عندنا المعصية من الملائكة ممكن محتمل ؛ دليله قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) ، ولأنه قد مدحهم بقوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ...) الآية [التحريم : ٦] ، وقوله : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ...) الآية [الأنبياء : ١٩] ، فدل ذلك كله على أنهم مختارون في ذلك غير مجبولين عليه.
وقال بعضهم من أهل التأويل (١) : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) هو إبليس هو كان منهم ، وهو الذي قال ذلك (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) فاعبدونى ، والله أعلم.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٤٥٥٠ ، ٢٤٥٥١) ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٦٩) ، وهو قول الضحاك وابن جريج.