وظاهر الآية : أن يكون هنالك بحر ونهر فيه يجري الشمس والقمر وفيه يغربان ومنه يطلعان ؛ لأنه قال : (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، والسباحة هي المعروفة عند الناس ، وهو ما يسبح المرء في بحر أو نهر ، هذا ظاهر الآية ، وعلى ذلك جاءت الأخبار ؛ روي عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «خلق الله بحرا دون سماء الدنيا مقدار ثلاث فراسخ ، فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله تعالى ، لا يقطر منه قطرة والبحور كلها ساكنة ، وذلك البحر جار في سرعة السهم ، ثم انطباقه في الهواء مستو كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب ، فتجري الشمس والقمر والخنس في ذلك البحر» ؛ فذلك قوله : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) والخنس : هي التي تخنس بالنهار وتجري بالليل ، والفلك : دوران العجلة ، في لجة : غمرة ذلك البحر ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لو بدت الشمس من ذلك البحر ، لحرقت كل شيء في الأرض حتى الصخور ، ولو بدا القمر من ذلك البحر لافتتن به أهل الأرض كلها يعبدونه من دون الله إلا من عصمه الله».
وفي بعض الأخبار : (الفلك : ماء مكفوف يجري فيه الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار) ، ويقال : الشمس والقمر والليل والنهار كله دون السماء يدور به الفلك ، ومثل هذا قد قيل فيه ، والله أعلم.
وظاهر الآية في الخبر ما ذكرنا : أن الشمس والقمر هما اللذان يجريان ويسبحان في ذلك الماء.
وعلى تأويل بعضهم أنهما على حالهما لا يجريان ، لكن الفلك هو يجري فيظهران ويبدوان في وقت ويختفيان في وقت آخر ، ولو كانا هما اللذان يجريان لكانا على حالة واحدة ويظهران في الأحوال كلها ، لكنا لا نعلم ذلك إلا بالخبر عن الله أنه كذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٤١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ).