القرآن بها ، ثم بين أنها على الوصف الذي ذكر لمن ، فقال : (لِلْمُتَّقِينَ) وإن كانت هي في أنفسها على الوصف الذي ذكر ، فإنها تتجلى بها الشبه من الحقائق والحق من الباطل لمن قبلها وأقبل نحوها ونظر إليها بعين التعظيم والإجلال ، فأمّا من أعرض عنها فليست لهم على ما ذكر ، لكن على ما أخبر بقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥].
ثم بين من المتقون؟ فقال : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يحتمل قوله : (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) ، أي : يخشون العذاب الموعود في الغيب وهو عذاب الآخرة ونقمتها ، إن المؤمنين خافوا العذاب الموعود في الآخرة ، فيحذرون ما به يحل ذلك ، وأما الكفار فإنهم لم يخافوا العذاب الموعود في الآخرة ولم يصدقوه إنما يخافون العذاب المعاين المشاهد ، فأما العذاب الموعود في الغيب فلا يخافونه.
ويحتمل أيضا قوله : (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) ، أي : يهابون ربهم ويخافونه وإن لم يروه ؛ لما رأوا من آثار سلطانه وملكه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) يحتمل : هم من أهوال الساعة وأفزاعها خائفون.
أو أن يكون قوله : وهم من محاسبة أعمالهم مشفقون خائفون ، فحاسبوا أنفسهم في الدنيا ؛ إشفاقا على محاسبة أنفسهم في الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ).
الذكر المبارك ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) ظاهره وإن كان استفهاما فهو في الحقيقة إيجاب ؛ كأنه قال : وهذا ذكر مبارك أنزلناه وتعرفونه أنه كذلك ، فأنتم مع هذا له منكرون ، يذكر سفههم ويخبر عن عنادهم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)(٦١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ).