وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) ذكر نعمه التي كانت عليهم حيث أخبر أنه سخر لهما أشد الأشياء وأصلبها من نحو الجبال والرياح والبحار والحديد والشياطين أيضا ـ وهم أعداء لبني آدم سخر لهم الأعداء : الشياطين ، والرياح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ) يحتمل وجوها : أحدها : وكنا لهم حافظين ، حتى لا يضلوا الناس.
وقال بعضهم : وكنا لهم حافظين على سليمان ؛ لئلا يتفرقوا عنه ؛ لأن سليمان كان لا يملك إمساكهم واستعمالهم ، لكن الله سخرهم له حتى عملوا له وذلّوا له وخضعوا.
والثالث : وكنا لهم حافظين عن الخلاف له. والله أعلم.
قوله تعالى : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ)(٨٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) ، وقال في آية أخرى : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٤١] ذكر في سليمان أنه سلطه على الشيطان ، وجعلهم مسخرين له يستعملهم في كل أمر وعمل شاء ، وذكر في أيوب على أثر قصة سليمان أنه سلط الشياطين عليه وصار كالمسخر لهم ؛ حيث قال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٤١] ؛ حتى يعلم أن تسخير الشياطين لسليمان كان له إفضالا وإنعاما ، لم يكن سبق منه ما يستوجب به ذلك ويستحقه ، ولا كان من أيوب إليه من العصيان ما يستحق ذلك ، وما أصابه من البلاء منه عدل ، وكان ما يعطي من السلامة والصحة رحمة منه ونعمة ، وله أن يعطي من شاء ما شاء ، ويحرم من شاء ما شاء ، ألا ترى أنه قال في آخره لما رد عليه ما أخذ وكشف عنه البلاء : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) ، ولو كان ذلك حقّا له على الله لم يكن لذكر الرحمة معنى ، فهذا يرد على المعتزلة مذهبهم : أن على الله الأصلح لهم في دينهم ؛ لأن ما أصاب أيوب من البلايا أضاف ذلك إلى الشياطين حيث قال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) ، ولو كان ذلك أصلح له في دينه لكان لا يضيف فعل الأصلح له في الدين إلى الشياطين ؛ فدل على أنه ليس على ما يذهبون إليه.
ثم قوله : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) شبيه أن يكون فيه إضمار دعاء ؛ كأنه قال : أني مسني الضر فارحمني وعافني وأنت أرحم الراحمين ؛ ألا ترى أنه قال : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) دل أنه على الدعاء خرج.
والثاني في قوله : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) وصرت بحال يرحمني من رآني من الخلق وأنت