والثاني : رغبا فيما عندنا من اللطائف من التوفيق على الخيرات والعصمة عن المعاصي ، ورهبا ممّا عندنا من النقمات والخذلان والزيغ.
وقوله : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ).
قال بعضهم : الخشوع : هو الخوف الدائم الملازم للقلب لا يفارقه.
وقال بعضهم (١) : متواضعين ذليلين لأمر الله ، تفسير الخشوع ما ذكر بقوله : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً).
قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) (٩١)
وقوله : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي : عفت فرجها.
وقوله : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) قال أهل التأويل (٢) : إن جبريل أتاها فنفخ في جيبها أو في فرجها ، وهذا ليس في الآية ؛ فلا يجوز القول [به] إلا بثبت ، ولكن قوله : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) كقوله في آدم : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحج : ٢٩] أي : أنشأت فيه من روحي ؛ إذ لم يقل أحد فيه بالنفخ ، أي : جبريل نفخ فيه ، فعلى ذلك قوله : (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) أي : أنشأنا فيها من روحنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) ذكر فيها آية واحدة ؛ لأنها ولدت بغير زوج ، وولد بلا أب ، فهو واحد إذا كانت هي ولدته بغير زوج ، فيكون بغير أب فهو آية واحدة ، والآية فيها ما ذكر : (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٤٢] وآية عيسى حين تكلم في المهد فقال : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ ...) الآية [مريم : ٣٠].
وقال أبو عوسجة : (أَحْصَنَتْ) : أي : عفت ، ويقال : امرأة حصان ، أي : عفيفة ، ومحصنة ، أي : قد أحصنها زوجها ، ومحصنة : أي عفيفة ، وامرأة حصان ، ونسوة حاصنات وحواصن ، قال : والحصان ذكر الخيل ، وحصن : جمع.
قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٦٠١).
(٢) قاله قتادة أخرجه عبد الرزاق وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٠١).