وهو كقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ...) الآية [البقرة : ٢٨] ؛ هم لم يقروا أنهم يحيون بعد ما ماتوا ، ولكن لما عرفوا أنهم كانوا أمواتا فأحياهم ، فقد لزمهم الإقرار والحجة بالإحياء بعد الموت ؛ فعلى ذلك الأول كأنهم أقروا بأنهم واردون بما لزمتهم الحجة.
وقوله : (وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) ظاهر.
وقوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) قيل : الزفير : هو الصوت الخفيض الذي فيه أنين ، والشهيق : هو الصوت الرفيع الذي فيه أنين.
وقيل : الشهيق : أول نهيق الحمار ، والزفير : هو آخر نهيقه.
وقوله : (وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) قيل : لا يسمعون الخير ، ويسمعون غيره.
وقال بعضهم : لا يسمعون ؛ لأنهم يكونون صمّا بكما عميا ، وهو كقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧].
وقال القتبي (١) : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : حرام عليهم أن يرجعوا ، ويقال : واجب ، وقال : هو حرم وحرام : واحد ، كما يقال : حلّ وحلال.
وقال : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) : ومن كل نشز من الأرض وأكمة (يَنْسِلُونَ) من النسلان ، وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر.
قال أبو عوسجة : الحدب : ما ارتفع من الأرض ، الواحد : حدبة (يَنْسِلُونَ) أي : يجيئون.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ)(١٠٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى).
قال عامة أهل التأويل (٢) : إنه لما نزل قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٨).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٤٨٣٨) والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وأبو داود في ناسخه ، والحاكم وصححه من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٠٧) ، وهو قول مجاهد وعكرمة والحسن البصري وغيرهم.