ويطمعوا في رحمته وفضله ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).
أي : عالما بأعمالهم ، بصيرا بمصالحهم وما لهم وما عليهم ، أو أن يكون الخبير والبصير واحدا ، أو ذكر هذا ؛ ليعلم أنه على علم بما يكون ـ منهم أنشأهم ـ : من الخلاف لأمره والردّ والتكذيب لرسله ، ولم يخرج فعله وإنشاؤه إياهم على علم بما يكون منهم عن الحكمة ؛ لأنه لا منفعة له في طاعتهم إياه وائتمارهم ، ولا مضرة ولا منفعة في خلافهم إياه ؛ بل المضرة والمنفعة في ذلك راجعة إليهم ، لذلك كان إنشاؤه إياهم على علم بما يكون منهم حكمة ، ومن ملوك الأرض سفهاء وجهلاء ؛ لأن ما يرسلون من الرسل ، ويعملون من الأعمال ، ويسعون لمنافع أنفسهم ، ولدفع مضارّهم ؛ فإذا فعلوا شيئا يضرهم ـ على علم منهم بالضرر ـ كان ذلك سفها ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً)(٣٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ).
قال أبو بكر الأصم : إنّ من عادة العرب أنهم كانوا يقتلون البنات ويقتلون البنين ؛ إذا صاروا بحيث لا ينتفعون بهم ، ويقتلون الآباء والأمهات ؛ إذا بلغوا أرذل العمر ؛ فنهى الله أهل الإسلام عن الاستنان بسنتهم ، وأمر أن يبرّوا الآباء والأمّهات إذا بلغوا ذلك المبلغ ، وهو ما قال : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ...) إلى آخر ما ذكر.
وفي قتل ما كانوا يقتلون من البنات قطع التناسل والتوالد الذي كان المقصود من إنشاء هذا العالم ؛ ذلك إذ المقصود من إنشاء العالم هذا الذي ذكرنا ، وفي قتل البنات قطع ذلك وذهاب المقصود من إنشائه ، ثم قال :