سورة الحج كلها مكية إلا ثلاث آيات
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ)(٢)
قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ) قد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) قال الحسن : إن بين يدي السّاعة آيات تحجبن التوبة وقبول الإيمان ، منها : الزلزلة التي ذكر ، ومنها : طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدجّال ، والدابة ، وخروج يأجوج ومأجوج ، وأمثاله ، وهو كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨].
وجائز ـ عندنا ـ أن تكون هذه الآيات غاية لقبول التوبة والإيمان ، يقبل إلى ذلك الوقت ، ولا يقبل بعد ذلك وإن تابوا وآمنوا.
أو أن يكون قوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) [الأنعام : ١٥٨] ؛ لأنهم لا يؤمنون لما تشغلهم تلك الآيات عن ذلك فلا يؤمنون ؛ لأن تلك الآيات تعم الخلائق كلهم : المؤمن والكافر جميعا ؛ فلا يعرف المبطل والضال أنه على الضلال والباطل ، فيرجع إلى الهدى والحق ، ليس كعذاب ينزل على قوم خاصة ؛ لأن ذلك يعرف أولئك أنه إنما ينزل بهم خاصّة ؛ لما فيهم من التكذيب والعناد ، وإذا كانت الآيات عامة ، لم يعرف أهل الضلال أنهم على باطل ، وأنه إنما ينزل بسببهم ؛ لما يرونه أنه قد عمّ الخلائق كلها ، فقوله : (لا يَنْفَعُ) [الأنعام : ١٥٨] ؛ لأنهم لا يؤمنون ، كقوله : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أي : لا يكون لهم من يشفع ، ليس أن يكون لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (لا يَنْفَعُ) لأنهم يشغلون عن الإيمان فلا يؤمنون ، فلا ينفع لهم ، على ما ذكرنا.
ثم اختلف فيه :
قال بعضهم (١) : (زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) : قبل الساعة ، وقيل (٢) : القيامة.
وقال بعضهم : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) هي الساعة ، وصفها بالشدّة والفزع فقال : (يَوْمَ
__________________
(١) قاله علقمة والشعبي ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٤٨٩٨ ، ٢٤٨٩٩) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦١٨).
(٢) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير عنه (٢٤٩١٢) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦١٩).