(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) هو طواف الزيارة ، وهو طواف يوم النحر ، وهو الفرض عندنا ، ولا يحتمل ما قال بعض الناس : إنه طواف الصدر ؛ لأن الله تعالى قال : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧] وحج البيت هو الطواف بالبيت لا غير ، وطواف الدخول وطواف الصدر ليس على أهل مكة ذلك الطوافان ، وعليهم الحج كما كان على غيرهم من النّاس ؛ فدل ما ذكرنا على أن قوله : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) هو طواف الزيارة ، وهو حج البيت الذي قال الله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : ٩٧].
وقوله : (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) قال بعضهم (١) : سماه : عتيقا ؛ لأنه أعتقه عن الجبابرة عن أن يتجبروا عليه ، وكم من جبار قد صار إليه ليهدمه فمنعه الله عن ذلك.
وقال بعضهم : سماه : عتيقا ؛ لأنه يرفع إلى السماء الرابعة ، فذلك المرفوع هو البيت العتيق. والبيت العتيق ـ عندنا ـ هو الذي بناه إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ وأسسه ، ويكون قوله : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الذي أسّسه إبراهيم ، لا بالبيت الحادث الذي أحدثه النّاس ؛ ألا ترى أنه روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه قال لعائشة : «لو لا أنّ قومك حديثو عهد بالإسلام لرددت البيت على أساس إبراهيم ، وجعلت له بابين : بابا يدخل فيه ، وبابا يخرج منه» (٢) ، وروي في بعض الأخبار يرويه عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) قاله ابن الزبير ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥١١٠ ، ٢٥١١١) ، وعن مجاهد (٢٥١١٢) ، وقتادة (٢٥١١٣).
(٢) أخرجه مالك (١ / ٣٦٣) كتاب : الحج ، باب : ما جاء في بناء الكعبة ، حديث (١٠٤) ، والبخاري (٨ / ١٧٠) كتاب : التفسير ، باب : قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) حديث (٤٤٨٤) ، ومسلم (٢ / ٩٦٩) كتاب : الحج ، باب : نقض الكعبة وبنائها ، حديث (٣٩٩ / ١٣٣٣) ، والنسائي (٥ / ٢١٤ ، ٢١٥) كتاب : الحج ، باب : بناء الكعبة ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (٢ / ١٨٥) كتاب : مناسك الحج ، باب : ما يستلم من الأركان في الطواف ، وأحمد (٦ / ١٧٦ ، ١٧٧) كلهم من طريق مالك ، عن سالم بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «ألم ترى أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟ قالت : فقلت : يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لا حدثان قومك بالكفر لفعلت» ، قال : فقال عبد الله بن عمر : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما أرى قواعد إبراهيم.
وللحديث طرق أخرى عن عائشة :
فأخرجه البخاري (١ / ٢٧١) كتاب : العلم ، باب : من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس ... حديث (١٢٦) ، والترمذي (٣ / ٥٢٢ ـ ٥٢٣ ـ تحفة) أبواب الحج ، باب : ما جاء في كسر الكعبة حديث (٨٧٦) من طريق أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد أن ابن الزبير قال له : حدثني بما كانت تقضي إليك أم المؤمنين ـ يعني عائشة فقال : حدثتني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لها : «لو لا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين» فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين. ـ