وجائز أن يسمّى في اللغة الذبح : نسكا ، كقوله : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] وهو الذبح ، وقوله : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي) [الأنعام : ١٦٢] ، ولو كان النسك عبادة كذكر الصلاة وهي عبادة لكان لا يذكر النسك ، فدل أنه أراد بالنسك الذبح.
وقوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) ، دل قوله : (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) أن ذكر اسم الله من شرط الذبيحة ، حيث ذكر اسم الله ولم يذكر الذبح ، ففهموا من ذكر اسم الله الذبح ؛ دل أنه من شرط جوازه وحله ، سوى الشافعي فإنه لم يفهم ما فهم الناس والأمم جميعا ، حيث لم يجعل ذكر اسم الله من شرط الذبيحة.
وقوله : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) كأنه ذكر قوله : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) لقوم أنكروا الذبائح ، فقال : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) ، أي : ذبحا ذبحوه ، وذكروا اسم معبودهم عليه ، ثم أخبر أن معبودهم واحد (فَلَهُ أَسْلِمُوا) ، أي : أخلصوا ذلك كله ، (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) قال : المتواضعين.
وقال بعضهم : المطمئنين.
وقال بعضهم (١) الخاشعين.
وقال بعضهم : كل مجتهد في العبادة هو المخبت.
ويقال : المخلصين.
وتفسير المخبت : ما ذكر على إثره ، حيث قال : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...)
الآية.
ومن قال : المخبت : المطمئن ، قال : والخبتة : الطمأنينة.
قوله : (مَنْسَكاً) و (مَنْسَكاً) ، فيه لغتان :
قال الكسائي : من قرأ : (مَنْسَكاً) بكسر السين فهو من نسك ينسك ، ومن قرأ : منسكا بالنصب فهو من نسك ينسك ، ثم لا خلاف بين أهل العلم في أن البدن التي تساق والهدايا التي تقلد في الحج والعمرة لا يجوز أن تنحر في غير الحرم ، إنما اختلفوا في المحصر إذا أراد أن يحل أين ينحر ويذبح هديه الذي يحل به؟ وقد ذكرنا أقاويلهم واختلافهم في سورة البقرة.
ولم يختلف في أن معنى قول الله : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يدخل فيه الحرم كله على ما ذكرنا ، وعلى [ذلك] رويت الأخبار : روي عن جابر بن عبد الله قال : قال
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥١٧٣ ، ٢٥١٧٤) ، ٢٥١٧٥) ، وعن قتادة (٢٥١٧٦).