وقوله : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ ...) إلى آخره.
قال بعضهم (١) : هذا نعت من الله لأصحاب رسول الله ومن تبعه ، ومدح لهم بالدوام على دين الله الذين قبلوه وأخذوه في حال الخوف بعد ما مكن لهم في الأرض ، وآمنهم من ذلك الخوف الذي كان في الابتداء ، وأخبر أنهم داموا على ذلك ولم يتركوا ما داموا عليه ، بل زاد لهم حرصا على ذلك وجهدا ، وكذلك الآية التي ذكرت في سورة النور ، وهو قوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...) إلى آخر الآية [النور : ٥٥] ، فإن كان التأويل هذا فهو يرد على الروافض قولهم ومذهبهم ؛ لأنهم يقولون : إنه لما ولي أبو بكر ارتدوا جميعا ، وتركوا الدين الذي اختاروه ، فالآيتان تدلان على نقض قولهم ، أنهم ارتدوا ؛ لأنّ الله ـ عزّوجل ـ أخبر أنه مكن لهم في الأرض ، واستخلفهم ، ووعد لهم الجنة ، وإنما ارتد من كان إسلامه بالقهر والغلبة فإذا مكن لهم تركوا ذلك.
وقال بعضهم : إن الآية وإن كان ظاهرها خبرا ووعدا فهي في الحقيقة أمر : أن افعلوا كذا ... إلى آخر ما ذكر.
وقوله : (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) يحتمل قوله : (عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي : ترجع إليه الأمور في الآخرة ، كقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [البقرة : ٢١٠].
وجائز أن يكون قوله : (عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أن يكون عاقبة الأمور لأوليائه من النصر والقهر على أعدائه ، فالمراد بالإضافة إليه : أولياؤه ، كقوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] أي : [إن] تنصروا أولياءه ، أو تنصروا دينه ، ينصركم ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٤٩) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(٥١)
وقوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...) الآية.
__________________
(١) قاله أبو العالية ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٥٧).