إنه قال : (كانَ مَنْصُوراً)](١) و (٢) لم يقل : هو منصور ، فجائز أن يقول : (كانَ مَنْصُوراً) ، قبل : قتل هذا إذا كان على المسلمين مضرة ، فلما قتل كان غير منصور ، إلا أن يقال : إن الولى صار منصورا ، وذلك جائز. وفي قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) : يحتمل النهي عن نفس الزنى ، ويحتمل أسباب الزنى : من نحو القبلة ، والمسّ ، وغيره ؛ على ما ذكر : «العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والفرج يصدّق ذلك كلّه أو يكذّب» (٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
قوله : (أَحْسَنُ) : هو أفعل ، فإن كان في الأشكال فهو على غاية الحسن ، وإن كان في الجوهرين فهو على طلب الحسن ؛ كقوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر : ٥٥] أي : اتبعوا ما هو طاعة ؛ كأنه قال : ولا تقربوا مال اليتيم إلا ما هو خير له وحسن ، وهو ما قال : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) ، يقول : لا تأكلوا إسرافا وبدارا ، ولكن اقربوا ما هو خير له. وإن كان على طلب الغاية من الحسن ، فهو ما قال أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ : إذا قرب مال اليتيم لمنفعة نفسه فلا يقربه إلا لمنفعة حاضرة لليتيم ، لا يقرب ماله لمنفعة مرجوة ، وإذا قرب مال اليتيم لليتيم فإنه يجوز أن يقربه لمنفعة مرجوة له ، وإن لم يكن فيه منفعة حاضرة ، وقد ذكرنا تأويله وما فيه من الدلالة بقول أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ فيما تقدم في سورة الأنعام.
ثم من الناس من احتج بهذه الآية لقول أبي حنيفة حيث قال : إن للوصي أن يبيع مال اليتيم من نفسه إذا كان خيرا له ؛ لأن له أن يبيع من غيره بمثل قيمته ؛ فدلّ أن ذكر الخير له إذا كان يبيع من نفسه.
وقوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) : كأنه على الإضمار ، أي : لا تقربوا مال اليتيم إلا بالوجوه التي هي أحسن له وأنفع ، وهو الحفظ له وطلب الربح والنماء ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ).
أي : حتى يستحكم عقله ، ويستتم (٤) تدبيره في ماله وأمره ؛ فعند ذلك يكون الأمر
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : أو.
(٣) أخرجه البخاري (١٢ / ٢٨٩) ، كتاب الاستئذان باب : زنى الجوارح دون الفرج (٦٢٤٣) ، ومسلم (٤ / ٢٠٤٧) ، كتاب القدر : باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره (٢١ / ٢٦٥٧) ، من حديث ابن عباس.
(٤) في أ : ويشتد.