و [هذا] على المعتزلة في قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ)(١) ؛ لأنه يقول : هو الذي سخر الفلك ، وهم يقولون : لم يسخر الفلك ، ولكن إنما سخر الخشب الذي منه تتخذ الفلك ؛ لأنهم لا يرون لله في فعل العباد تدبيرا ولا صنعا ، وهم يكفرون نعمة ربهم فيما ذكر من تسخير الفلك لنا ، وهم داخلون في ظاهر هذه الآية على الوجه الذي ذكرنا.
قوله تعالى : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٧٠)
وقوله : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً).
اختلف في المنسك :
قال بعضهم : (مَنْسَكاً) ، أي : جعلنا لكل أمّة دينا يدعون إليه ، أي : كل أمة تدعى إلى دين واحد وهو دين الإسلام ، وهو قول الحسن.
وقال بعضهم : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) ، أي : شريعة ، فهذا على الاختلاف ، أي : جعلنا لكل أمّة شريعة على حدة.
(هُمْ ناسِكُوهُ) ذلك كقوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨].
وقال عامة أهل التأويل (٢) : (مَنْسَكاً) : أي ذبائح وعيدا ، قالوا : ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لأن من الناس من ينكر أن يكون الذبح شريعة الله ، فأخبر أن الذبح سنة الله وشريعته في الأمم كلها ، ليس على ما قالت الثنوية.
وقوله : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) على تأويل من يقول : إن المنسك هو الدين ، أي : لا يخالجنك في نفسك أن الذي أنت عليه هو دين الله وادع الناس إليه.
وعلى تأويل من يقول : هو الذبح ، يقول : (فَلا يُنازِعُنَّكَ) ، أي : لا يصدّنك عن الذبح من ينكر ذلك ، كقوله : (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ) [القصص : ٨٧].
(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : ادع إلى توحيد ربك.
أو أن يكون قوله : (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) : إلى عبادة ربك ، وانههم عن عبادة من دونه.
وقوله : (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) هذا يدل أن التأويل الذي ذكرنا في المنسك ـ وهو
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : والمعتزلة داخلون تحت قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ). شرح.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٣٦٣ ، ٢٥٣٦٤) وعن قتادة (٢٥٣٦٥) ، وانظر : الدر المنثور (٤ / ٦٦٦).