(إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) يقول : حفظه يسير على الله بغير كتاب ، لا يصعب عليه حفظ شيء ؛ لأنه عالم بذاته ، لا بسبب ولا تعليم ، وإنما يصعب حفظه على من كان علمه بالشيء بسبب وتعليم.
وقوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) فيه دلالة رد قول القدرية ، حيث قالوا : يكذب من كذب الرسل لا بإرادة الله ، فذكر أنه على علم منه ذلك منهم ، وكذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يكذبون بالقدر سيكفيكم من الردّ عليهم أن تقولوا : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ)» (١).
وتأويل هذا ـ والله أعلم ـ : أن يسألوا ، فيقال لهم : أراد الله أن يصدق خبره الذي أخبر أو يكذب؟
فإن قالوا : أراد أن يصدق في خبره ، لزمهم أن يقولوا : أراد جميع ما كان منهم.
وإن قالوا : أراد أن يكذب خبره ، فيكون كفرا محضا.
قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤) اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٧٥) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٧٦)
وقوله : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) هو ما ذكرنا أنه يسفههم بعبادتهم دون الله بلا حجة ، ولا برهان ، ولا علم ، وتركهم عبادة الله مع الحجج ، والبراهين ، والعلم أنه إله ، وأنه ربهم مستوجب للعبادة.
وقوله : (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله ، ففيه دلالة إثبات رسالته ؛ لأنه إنما قال ذلك للرؤساء منهم والقادة فلم يتهيأ لهم نصرة شيء ، ولا رد ما قال بشيء دل أنه بالله كان ذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه ابن مردويه عن أنس ، كما في الدر المنثور (٤ / ٦٦٧).