في الخلق على الوجوه التي ذكرنا.
وقوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ).
قد ذكرنا فيما تقدم أن المقصود من خلق هذا العالم ـ لم يكن الإماتة والإفناء ؛ ولكن عاقبة تتأمّل وتقصد حيث قلبهم من حال إلى حال ، ثم لم يتركهم على حالة واحدة ، فلو كان المقصود من خلقهم الفناء والهلاك لا غير ، لكان تركهم على حالة واحدة ، ولم يقلبهم من حال إلى حال ؛ فدل التحويل والتقليب من حال إلى حال على أن المقصود من الخلق العاقبة ، على ما ذكرنا والله أعلم ؛ لأنه أخبر أن خلقهم لا لعاقبة يقصد بها عبث ؛ حيث قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] صير خلقهم لا للرجوع إليه عبثا ، وقال في آية أخرى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها ...) الآية [النحل : ٩٢] : صير نقض الغزل بعد إبرامه وقوته سفها منها ؛ فلا جائز أن يسفه تلك المرأة تنقض غزلها بعد الإحكام والإبرام بلا نفع يكون لها ، ثم هو يفعل ذلك ؛ إذ خلق الخلق للفناء والهلاك خاصة ـ عبث ولعب ، وعلى ذلك بناء البناء في الشاهد لا لعاقبة ومنفعة ، ولكن للهدم والنقض سفه ولعب.
قلنا : إن خلق الخلق لا للموت خاصّة ، ولكن لما ذكر من قوله : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) ، أي : تحيون.
قال القتبي (١) : يقال للولد : سلالة أبيه ، وللخمر : سلالة ، ويقال : إنما جعل آدم من سلالة ؛ لأنه سلّ من كل تربة.
وقال أبو عوسجة : السلالة : الخالص من كل [شيء].
قال أبو معاذ : النسل : الولد يسل من تحت كل شعرة (٢).
وقال القتبي (٣) : المضغة : اللحمة الصغيرة ؛ سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ ؛ كما قيل : غرفة ، بقدر ما يغرف.
وقوله : (فِي قَرارٍ مَكِينٍ).
أي : مكان حريز ، أو هو الرحم أو الصلب ، أيهما كان فهو ما وصف.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٩٦).
(٢) ثبت في حاشية أ : إنما سمي الولد : سلالة أصله ، وهو الماء يسل من تحت كل شعرة.
(٣) ينظر : تفسير غريب القرآن (٢٩٦).