أي : غمرته فيه.
وقوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها).
في سورة النحل (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [٦٦] قال بعضهم : إنما ذكره على الفرد والوحدان ، وفيما ذكره على التأنيث على الجمع.
وقال بعضهم : فيما ذكره بالتذكير أراد به جنسا من الأنعام مما في بطونه ، وهذا أشبه ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
ثم قوله : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) وجه العبرة فيها من وجوه :
أحدها : ما قال ابن عباس ، وهو ما ذكر ـ عزوجل ـ : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ ...)(١) الآية [النحل : ٦٦] ؛ ففي ذلك عبرة ودلالة على وحدانيته وربوبيته وعلمه وقدرته وتدبيره ولطفه ؛ إذ ليس شيء منها إلا وفيها دلالة وحدانيته وربوبيته ، ودلالة علمه وقدرته وتدبيره.
وفيه أنه لم ينشئ هذه الأنعام لأنفسها ، ولكن أنشأها للبشر ؛ حيث أخبر أنه سخرها لهم ؛ ليمتحنهم بها.
ثم اختلف في الأنعام :
قال مقاتل : الأنعام : كل شيء يؤكل لحمه ويشرب لبنه ، وما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه ـ فليس من الأنعام.
وقال أبو معاذ : إن من الأنعام ما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه.
وقال بعضهم : الأنعام : كل بهيمة حتى الوحش.
والأشبه أن تكون الأنعام هي الإبل ، ولكنا لا نعلم حقيقته ؛ إنما هو اللسان ، فهو على ما يسميه أهل اللسان.
وقوله : (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ).
قيل : من الحمولة وغيرها ، وقد ذكرنا هذا في سورة النحل.
وقوله : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ).
يذكرهم نعمه فيما سخر لهم من الأنعام والسّفن ؛ ليتأدى به شكره (٢).
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ
__________________
(١) ذكره ابن جرير (٩ / ٢٠٩) ولم ينسبه لأحد.
(٢) ينظر : اللباب (١٤ / ١٩٤).