[البقرة : ١٤٣] ، وقوله : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ...) الآية [التوبة : ١٠٠] ، ونحو ذلك مما أثنى الله على من آمن منهم ؛ فهم لو آمنوا استوجبوا بذلك الثناء.
وجائز أن يكون قوله : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) ، أي : يدعى لهم ، وهو ما دعا الملائكة والرسل للمؤمنين ، كقوله : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية [غافر : ٧] ، وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) [غافر : ٥٥] ، وقول نوح : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ...) الآية [نوح : ٢٨] ، وقول إبراهيم ودعائه لهم : لو آمنوا استوجبوا دعاء هؤلاء الملائكة والرسل جميعا ، أو أن يكون ما ذكرنا من إبقاء ذكرهم إلى يوم القيامة ؛ كما بقي ذكر أولئك الذين آمنوا به وصدقوه ؛ فيكون في ذلك كله شرفهم وقدرهم ؛ على ما قاله أهل التأويل ، والله أعلم.
وقوله : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ).
جائز أن يكون هذا صلة ما تقدم من قوله : (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) ، أي : قد عرفوا رسولهم ، (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) ، أي : ليس به جنة ، أي : ليس به شيء يمنعهم عن الإجابة والإيمان به بما يعذرونهم في ترك الإيمان به ؛ فعلى ذلك قوله : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً) ، أي : لم تسألهم أجرا على ما تدعوهم إليه حتى يمنعهم ثقل ذلك الأجر عن إجابته وتصديقه ؛ كقوله ـ أيضا ـ : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور : ٤٠] يقطع ما ذكر جميع أعذارهم وحجاجهم ، وإن لم يكن عذر ولا حجة في ترك الإجابة له.
وقال بعضهم : الخراج : الرزق ، أي : لا تسألهم رزقا ، ثم أخبر : (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٥) وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ)(٧٧)
وقوله : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
المستقيم : القائم بالآيات والحجج ، ليس كالسبيل التي يسلكون هم بلا آيات ولا حجج ولا برهان.
وقوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : أن إنكارهم البعث والآخرة هو الذي حملهم على العدول عن الصراط المستقيم.