قوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ، أي : قليلا ما تشكرون رأسا ؛ كقول الرجل : لآخر قليلا ما تفعل كذا ، أي : لا تفعل ؛ فعلى ذلك هنا إن كان المراد منها والخطاب بها أولئك الكفرة ، وإلا : الخطاب بها يجيء أن يكون راجعا إلى المؤمنين الذين يقومون بفرض الشكر لنعمه وقليله ، وأما الكفرة فهم يكفرونها وينكرون رأسا.
وقوله : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ. قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً).
يخبر ـ جل وعلا ـ رسوله : سفه قومه ، وقولهم الذي قالوا له بعد ما تبين لهم حكمته في خلقهم وإنشاء ما أنشأ لهم ، وذكرهم نعمه التي أنعم عليهم ، وذكر قدرته وسلطانه فيما ذكر من قوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) : ذكرهم ما ذكر في هؤلاء الآيات خلقهم وقدرته في إنشاء ما أنشأ لهم ، وعرفهم ذلك ؛ حتى عرفوا ذلك كله ، ثم بين سفههم في جوابهم رسوله ، فقال : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) : يخبر رسوله أن هؤلاء ليسوا بأوّل مكذبي الرسل ؛ ولكن كان لهم شركاء وأصحاب في التكذيب فقلد هؤلاء أولئك الأولين ، يصبر رسوله على سفه هؤلاء ، وأذاهم ؛ ليصبر على ذلك كما صبر إخوانه الذين كانوا من قبل ؛ إذ يذكر لرسوله سبيل بعض ما تداخل فيه بتركهم إجابته ، وخوضهم فيما فيه هلاكهم ؛ لأنه كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كاد أن تهلك نفسه لذلك ؛ حتى قال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ، (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الكهف : ٦] : فبين ما قالوا : (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
يقولون : قد وعد آباؤنا بمثل ما وعدنا نحن ، فلم ينزل بهم ما وعدوا من العذاب ؛ ولا ينزل ـ أيضا ـ بنا ما تعدنا ، وهو أساطير الأولين ، أي : أحاديث الأولين ، ثم أمر رسوله أن يسألهم ما يلزمهم الإيمان والاعتراف بما كانوا ينكرون ، فقال : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
قوله تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٩٢)
وقوله تعالى : (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).