أو أن يكون قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) كما يوصف المخلوق المحدث ؛ لأنهم وصفوه بالولد ، والولد في متعارف الخلق لا يكون إلا من الولد والأم ، هذا [هو] التوالد المعروف فيما بين الخلق ، فإذا وصفوه باتخاذ الولد شبهوه بالمخلوق المحدث من الوجه الذي ذكرنا ؛ فنزه نفسه عن ذلك.
قوله تعالى : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)(٩٨)
وقوله : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ* رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
وقوله : (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ) : يحتمل على وجهين :
أحدهما : (رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ* رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ؛ لأنه كان وعد له أن يريه بعض ما وعد لهم بقوله : (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) [غافر : ٧٧] ؛ فلا نريك شيئا ؛ فقال : ربّ إن أريتني ما يوعدون أو لا تريني فلا تجعلني في القوم الظالمين.
والثاني : أنك ، وإن أريتني ما تعدهم على التحقيق ، فلا تجعلني في القوم الظالمين.
ثم يحتمل قوله : (فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وجهين :
أحدهما : لا تجعلني في القوم الظالمين : في العذاب الذي وعدت لهم أن ينزل ؛ لأنه من العدل أن يعذبه ويعامله معاملة أهل العدل ؛ كأنه يقول : ربّ لا تعاملني معاملتك إياهم ، وإن كان ذلك من العدل أن تعاملني مثل ما تعامل أولئك ؛ لأن رسول الله ، وإن لم يكن [له] زلات ظاهرة ، فلقد كان من الله إليه من النعم والإحسان : ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدي شكر الكل ؛ ألا ترى أنه روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ؛ فقيل : ولا أنت يا رسول الله؟ فقال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (١).
ويحتمل قوله : (فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : في الزيغ والغواية ، يسأل ربّه أن يعصمه عن الزيغ بالضلال والغواية الذي عليه القوم الظالمون ، وهو كدعاء إبراهيم ربّه وسؤال العصمة عن الزيغ بقوله : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ
__________________
(١) أخرجه البخاري (١١ / ٣٠٠) ، كتاب الرقاق : باب القصد والمداومة (٦٤٦٣) ، ومسلم (٤ / ٢١٦٩) ، كتاب صفات المنافقين : باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (٧١ / ٢٨١٦) ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة ، سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة ، والقصد القصد تبلغوا».