وقال بعضهم : همزاته ونزغاته : واحد.
وقال القتبي (١) همزات الشياطين : نخسها وطعنها ، ومنه قيل للعائب : همزة ؛ كأنه يطعن ويعيب.
[و] قال أبو عوسجة : همزات الشياطين : وساوسهم ، يقال : همز يهمز همزا ، أي : وسوس ، ومن وجه آخر : همز يهمز همزا ، أي : عاب يعيب ، ومنه قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١].
ثم في قوله : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) إلى آخر ما ذكر وجهان على المعتزلة :
أحدهما : أنه أمر رسوله أن يتعوذ به مما ذكر ؛ فدل أن عنده لطفا لم يعطه : ما لو أعطاه الله لدفع به ما ذكر وأنه مالك لذلك ؛ إذ لو كان غيره مالكا لذلك يخرج السؤال به مخرج الهزء به ؛ إذ من طلب من آخر شيئا يعلم أنه ليس عنده ذلك خرج ذلك الطلب مخرج الهزء به ؛ فعلى ذلك هذا.
والثاني : أن كل مأمور بالتعوذ جعل الله له [الإعاذة مما يتعوذ منه].
فالوجهان جميعا ينقضان على المعتزلة في قولهم : إن الله قد أعطى كلا الأصلح في الدين ، وأعطى كلا العصمة عن كل زيغ وضلال.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (١٠٤) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (١٠٨) إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ (١١١) قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ
__________________
ـ وأخرجه البيهقي (٢ / ٣٥ ، ٣٦) ، عن جبير بن مطعم وابن مسعود بنحوه ، وأخرجه أحمد (٥ / ٢٥٣) ، عن أبي أمامة بنحوه.
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٠٠).