وقال بعضهم : (اخْسَؤُا) ، أي : ابعدوا فيها.
قال أبو عوسجة : يقال : خسأت فلانا ، وأخسأت ، أي : باعدته ؛ فخسأ ، أي : تباعد.
وقوله : (وَلا تُكَلِّمُونِ).
يحتمل الوجهين :
أحدهما : جائز أن يكون هذا السؤال منهم في أوّل ما أدخلوا ، فقال لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) فإنكم ماكثون ، أو أن يكون هذا السؤال منهم بعد ما سألوا الملك الموت مرة بقوله : (وَنادَوْا يا مالِكُ ...) الآية [الزخرف : ٧٧] ، وسألوا مرة تخفيف العذاب بقوله : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [غافر : ٤٩] ، فلما أيسوا منه فعند ذلك يسألون ربهم إخراجهم والإعادة إلى المحنة ؛ فقال : (اخْسَؤُا فِيها) ، أي : ابعدوا فيها ولا تكلمون ، أي : يصيرون بحال لا يقدرون على الكلام ؛ لشدة العذاب ؛ فعند ذلك يكون منهم الشهيق والزفير.
وقوله : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ. فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ).
يخبر ـ عزوجل ـ أولئك الكفرة الذين يسألون الإخراج من النار أنكم قد اتخذتم فريقا من عبادي آمنوا سخريا ، وكنتم منهم تضحكون ؛ يذكر هذا لهم ـ والله أعلم ـ ليكون ذلك حسرة ونكاية.
وقوله (سِخْرِيًّا) اختلف في قراءته : [فقرئ] بكسر السين فهو من الاستهزاء والهزء.
وقال الكسائي : بالرفع والكسر جميعا ، من الاستهزاء ، ولا يقال في العبودة إلا برفع السين ، وقال بعضهم : هما سواء.
وقوله : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) ، قال بعضهم (١) : حتى أنساكم الهزء بهم عن العمل بطاعتي.
وقيل : أضاف الإنساء إلى الذكر ؛ لأنهم كانوا [عند ما] يذكرهم ويدعوهم إلى ذكر الله يهزءون به ؛ فأضاف إليه ذلك ؛ فكان كإضافة الرجس إلى السورة ؛ لأن ذلك إنما يزداد لهم عند تلاوة السورة ؛ فأضيف ذلك إلى السورة ، وإلا كانت السورة لا تزيد رجسا ؛ فعلى ذلك أضاف الإنساء إلى ذكره ؛ لما عند ذكره ودعائهم إليه يحملهم إلى ذلك ، والله أعلم ، فأضيف إليه.
وقوله : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا).
__________________
(١) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير (٢٥٦٩٤) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٣٣).