أحدهما ، أي : كثرنا فيها الفرائض والأحكام.
والثاني : (وَفَرَضْناها) ، أي : فصلنا فيها بين ما يؤتى وبين ما يتقى ، وبين ما أمر فيها وبين ما نهي.
وقال : وأما التخفيف : (وَفَرَضْناها) ، أي : الزموا ما فيها من الفرائض وآدابها.
وقال القتبي (١) : فرضنا ، بالتخفيف ، أي : بينا فيها الفرائض.
وقال أبو عوسجة : من قرأها بالتخفيف : وفرضنها ، أي : أنزلنا فيها فرائض مختلفة ، ومن قرأها : (وَفَرَضْناها) ، بالتشديد ، يقول : فرضناها عليكم وعلى من بعدكم ؛ على التكثير ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ).
يحتمل قوله : (آياتٍ بَيِّناتٍ) ، أي : حججا بينة يفهمها ويعرفها كل أحد بالبديهة والتأمل.
أو أن يريد بالآيات : الآيات التي جمع فيها أشياء وتتلى ؛ لأن الآية إنما تستحق اسم الآية إذا جمع فيها كلمات وحروف ، فأما كلمة واحدة [وحرف] واحد فلا يسمى بهذا الاسم.
أو أن يكون قوله : (آياتٍ بَيِّناتٍ) : ما ذكر فيها وبين مما يؤتى ويتقى ، وبين ما يحل وما يحرم ؛ فذلك كله مبين ، والله أعلم.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، أي : تتعظون بما ذكر فيها من المواعظ ، وبين فيها ما يزجر عن المعاودة ، وهي الحدود التي ذكر فيها ؛ لأن سبب الاتعاظ أحد شيئين : المواعظ التي تلين القلوب ، والحدود التي تزجر.
قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٣)
وقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ).
لو كان الخطاب يجب اعتقاده على ظاهر المخرج والعموم على ما قاله بعض الناس ، لكان لكل أحد أن يقيم على آخر حدّا بظاهر قوله : (فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ؛ فيقول : الله أمرني بذلك بقوله : (فَاجْلِدُوا) ، أو أن يضربوا جميعا واحدا من الزنا بظاهر قوله : (فَاجْلِدُوا) ؛ فيزداد الضرب والحدّ على ما حدّ الله أضعافا مضاعفة ؛ فدل أن
__________________
(١) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٠١).