يمزق به الجلود ولا يخرقها.
ونستخرج منه التفريق في الأعضاء كلها والجوارح ؛ لأنه لو ضرب في مكان واحد لخرقه ومزقه ، سوى الرأس والوجه والمذاكير ؛ لما فيه من التأثير والمجاوزة.
فإن كان كذلك ففيه حجة لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ في قوله : إن الشهود إذا شهدوا على حد ، فضرب به الإمام فأصابه الجراحات ، ثم رجعوا لا يضمنون ما أصابه من الجراحات ؛ لأنهم لم يشهدوا على ضرب يجرح ويؤثر فيه ما أصابه ؛ لذلك لم يضمنوا.
وقول عمر لأبي بكرة : «تقبل شهادتك إن تبت» ، فهو يحتمل ، أي : تقبل روايتك عن رسول الله ومشاهدك التي شهدتها.
وقد ذكر أن الحكم والحدّ في الآية إنما جرى في قذف المحصنات دون المحصنين بقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) الآية ، لكن قذف المحصن وشتمه إن لم يكن أكثر في الشين وأعظم في الوزر لا يكون دونه ، فالذكر وإن جرى في المحصنات فأمكن وجود المعنى الذي به جرى ذلك في المحصنات في المحصن ، وهو ما قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، وهو الإيمان والإحصان والعفة ؛ لذلك لزم الحكم في هذا كما لزم في المحصنات.
وقد ذكرنا فيما تقدم ألا يجلد من قذف مملوكة أو مملوكا أو قذف كافرة : أما المملوك فلقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ، وقد ذكرنا الدليل على أن المراد بالمحصنات الحرائر دون غيرهن ؛ لذلك لم يجلد قاذف المملوك.
ولأنا لو أوجبنا جلد ثمانين ؛ فهو لو أتى بفعل الزنا حدّ خمسين ؛ فلا يجوز أن نوجب على قاذفه مما به قذف من الجلد أكثر مما نوجبه في عين ذلك الفعل لو أتى به ؛ فيسقط بما ذكرنا الجلد على قاذف المملوك.
وأما الكافر والكافرة : فسقط عن قاذفهما الحدّ ؛ لما ذكرنا من قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) : شرط فيه الإيمان والإحصان والعفة ، فإذا فقد واحد مما ذكرنا ـ لم يقم.
ولأنا لو أوجبنا الحدّ وحددنا ، لحد بقذف عدو الله ، ولا يجوز أن يجلد مسلم بقذف عدو من أعداء الله ، مع ما فيما ذكرنا من المسائل إجماع بين أهل العلم في ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ).
روي عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية قال عاصم بن عدي الأنصاري : [إن]