(غَفُوراً) إذا تابوا ، أو (غَفُوراً) حيث ستر عليهم فضائحهم ، الحلم ما ذكرنا : ضدّ السفه والعجلة. ذكر هاهنا على أثر ما ذكر منهم من القول الوخش فيه والعظيم أنه حليم ؛ ليعلموا أنه عن علم لم يأخذهم بالعقوبة عاجلا ، و (غَفُوراً) ؛ ليعلموا أنهم ، وإن أعظموا القول فيه ؛ يغفر لهم ويتجاوز عنهم إن رجعوا وتابوا.
فإن قال لنا ملحد : إنكم تصفون ربكم بالحلم والرحمة ، ثم تقولون : إنه يعذب أبد الآبدين في النار بكفر كان منه ؛ فأنى يكون فيه رحمة أو حلم؟!
قيل : إنكم لا تعرفون ما الحلم وما الرحمة ، ولو عرفتم ـ ما قلتم ذلك ، ولو لم يعذب على الكفر أبد الآبدين لم يكن حليما ولكن سفيها ، وكذلك الرحمة ، وليس خروج الشيء على غير موافقة الطبع بالذي يخرج صاحبه عن حد الحكمة والرحمة ، فأنتم إنما تصورتم الحكمة والرحمة على موافقة طباعكم ، وليس كذا.
وكذلك يقال للمعتزلة ؛ حيث قالوا : إنه لا يعقل إلا ما هو أصلح لنا في الدين ؛ لأنه جواد ؛ فلو منع الأصلح والأخير لم يكن جوادا موصوفا بالجود ، وإنما قدرتم وقلتم على ما وافق طباعكم وأنفسكم ، ولو عرفتم حقيقة الجود ما قلتم ذا ولا خطر على بالكم شيء من ذلك ، وإنما على الله أن يختار لكل ما علم منه أنه يختار ويؤثر ؛ لأنه لا يجوز أن يختار الولاية لمن علم منه أنه يختار عداوته ، وكذلك لا يجوز أن يختار العداوة لمن علم منه أنه يختار ولايته ، وليس على الله ـ تعالى ـ حفظ الأصلح لأحد في الدّين ؛ بل عليه حفظ ما يوجبه الحكمة والرّبوبيّة.
وفي ذكر تسبيح ما ذكر من جميع الموات على أثر ما ذكر من قول أولئك الكفرة من وصف الله ـ تعالى ـ بالولد والشركاء ، ونحوه يخرج على وجوه :
أحدها : يذكر سفههم ؛ أنهم مع ادعائهم العقل والعلم والتمييز والسؤدد ـ وصفوا الله بالذي لا يليق به ، وما يسقط الألوهية والرّبوبيّة عنه ، على زعمهم ، فالذين ليس لهم شيء من ذلك التمييز والفهم والعقل نزهوه عن ذلك كله وبرءوه عن جميع ذلك.
والثاني : ذكر تسبيحهم على أثر ذلك ؛ ليعلم أنه لا حاجة إلى تسبيحهم ، ولا منفعة له في ذلك أن سبح له جميع الخلائق سواهم ؛ بل منفعة تسبيحهم ترجع إليهم.
والثالث : ذكره لإثبات الرسالة للرسل ؛ لأنهم ذكروا تسبيح الموات ، ولا يفهم ذلك ولا يعقل إلا بوحي من السماء ؛ فذلك يدلّ على الرسالة.
فعلى هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا يجوز ذكر تسبيح ما ذكر على أثر ما ذكر ، وكذلك ذكر سجود الموات يخرج على هذه الوجوه التي ذكرناها ، والله أعلم.