وقوله : (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) إن كان ذلك البيوت الخانات والبيوت التي ينزل فيها أهل السفر فيكون قوله : (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي : فيها منفعة لكم من الدفء في الشتاء ، والظل في الصيف ، ودفع الحرّ في أيام الحرّ ، ودفع البرد في أيام البرد.
وإن كان البيوت هي الخربات وقباب وأمتعات التي كانوا يضعون في الطهور لقضاء الحوائج ، فيكون قوله : (فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) أي : الخلاء والبول ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) قال : ما تبدون من السلام ، وما تخفون منه ، أو في كل شيء ؛ كقوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) يذكر هذا لنكونن أبدا على حذر وخوف ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣١)
وقوله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا علي إن لك كنزا في الجنة ، وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة ؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» (١). وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ [قال] : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا بن آدم لك أول نظرة فإياك الثانية».
وعن جرير قال : سألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري (٢).
وعن ابن عباس قال : يغضوا أبصارهم عن شهواتهم فيما يكره الله (٣).
ثم يحتمل قوله : (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) وجوها ثلاثة :
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٥٩) ، والدارمي (٢ / ٢٩٨) ، والطحاوي في شرح المعاني (٣ / ١٤ ، ١٥) والحاكم (٣ / ١٢٣) ، وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٦٩٩) ، كتاب الآداب : باب نظر الفجاءة (٤٥ / ٢١٥٩) ، وأحمد (٤ / ٣٥٨ ، ٣٦١) ، والدارمي (٢ / ٢٧٨) ، والترمذي (٤ / ٤٨٠) ، كتاب الأدب : باب ما جاء في نظرة الفجاءة (٢٧٧٦) ، وأبو داود (١ / ٦٥٢) ، كتاب النكاح : باب فيما يؤمر به من غض البصر (٢١٤٨) ، وابن حبان (٥٥٧١) ، والحاكم (٢ / ٣٩٦) ، والبيهقي (٧ / ٨٩ ، ٩٠).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٥٩٤٩) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ٧٢).